مقالات

الدائرة المفرغة للعبودية الحديثة – الخدمات الإستهلاكية والشركات الرأسمالية

كم من حروب قامت بدعوى الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة، وكم من دمار لحق بالكثير من البلدان بدعوى التحرر من العبودية بكل أشكالها. وبين المُدافع والمُشكك في الغاية والغرض، دارت وتدور نقاشات لا حصر لها وأنتجت تلك النقاشات الكثير من النظريات والأطروحات ووجهات النظر التي في أغلب الأحيان أضاعت مضمون وحقيقة القضية موضوع النقاش.

كان هذا عن قصد أو عن غير قصد ليس هذا ما يعنينا هنا؛ بل ما يعنينا هو رصد الواقع بالفعل من أحوال الشعوب الفراد من خلال ممارستهم المتبادلة في سعيها لنيل حياة كريمة هادئة؛ ينعم فيها كل فرد بقدر من الحرية المسؤولة التي يحافظ من خلالها على كل يعتبره ذات قيمة. وهذا السعي هو ما يجعل شبه اتفاق بين الجميع حتى المختلفين في أغلب الأحيان إلى الاتفاق بأن حرية الإنسان حق أصيل لكل فرد وإن اختلفوا في التوصيف.

الخدمات الإستهلاكية والشركات الرأسمالية

سواء اتفقنا أو اختلفنا على أن نمط الحياة الاستهلاكية التي فرضتها علينا الحضارة الغربية هو نمط صحيح أم لا فهو بالأمر الواقع أصبح- وإن لم يكن الغالب- من نمط حياة الكثير من شعوب العالم. ويستمد هذا النمط بريقه من نفوس وعقول الأفراد من الشعارات الحقوقية التي ينادي بها والتي من أهما حرية الإنسان في اختيار كل ما يرغب به ولكن هل هذا متحقق بالفعل علي أرض الواقع؟

بالنظر لنمط الحياة الذي يربط السعادة الإنسانية بمدى قدرة الفرد على الحصول علي أكبر درجة من الرفاهية المادية قد أسس هذا الفكر الكثير من الأفكار التطبيقية لتنفيذ تلك الغاية التي اعتبرها مصدر السعادة.

فقد تفنن في تقديم الخدمات بأعلى جودة ممكنة تقريبا في كل الجوانب الحياتية للأفراد؛ فما نشهده من التطور البارز في القطاع السكنى والخدمي والنقل والمواصلات والصناعات الترفيهية التي لا حصر لها ناهيك عن الخدمات الرقابية على المنازل والمصانع وغير ذلك من الخدمات التأمينية سواء للأفراد أو الكيانات، أضف لذلك الخدمات والرفاهية السياحية وصناعة الإعلام والمنتجات الغذائية ومستحضرات التجميل …إلى آخره.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كذلك يؤكد لنا الواقع -بلا ما يدع مجال للشك- أن منتجي تلك الخدمات هم الأغنى على المستوى العالمي وأن شركاتهم وخدماتهم التي يقدمونها تخطت النطاق الجغرافي لهم في بلدانهم الأصلية فأصبحت شركاتهم عابرة للقارات والحواجز وفي أغلب الأحيان عابرة للكثير من القيود وأصبحت خدماتهم ومنتجاتهم ذات صفة عالمية.

العبودية الجديدة

وانطلاقا مما سبق نلاحظ أن ما يفسر عنوان مقالنا -الدائرة المفرغة للعبودية الجديدة- هي تلك المقدمات التي بدأت أولا على مستوى الأفكار وذلك بتحديد أن السعادة تكمن في الشراء والاستهلاك مما يحقق الرفاهية المطلوبة والتي بدورها تُعزز حرية الفرد للحصول على حياة كريمة وجميلة وذلك من خلال مجموعة من الخدمات التي يستحق أن تقدم له.

والمنطلق الآخر التي اعتمد مباشرًا على التغير الذي حصل على مستوى أفكار الأفراد داخل المجتمعات هو الشروع في البدء بتقديم تلك الخدمات والتحكم في أسعارها (حصرًا للشركات المنتجة لتلك الخدمات الترفيهية والخدمية والتي في حقيقة الأمر أقنعت الأفراد بأن ما يقدموه هو الأفضل ولا سبيل لعيش كريم وسعيد إلا بالحصول عليه

وبناء على ما سبق امتلكت تلك الشركات فائض رهيب من الثروة التي تم استثمارها في كل المجالات تقريبا وفى شتى مناحي الحياة حتى وصل الأمر أنها-الشركات العملاقة- هي المتحكمة في حركة رأس المال والتجارة والصناعة في أغلب مناطق العالم

فقد أصبحت المالك والمُصنع لكل ما يحتاجه الأفراد كما رسمت وخططت من البداية ابتدأ من تغير الأفكار والانتهاء بتوفير لكل الخدمات وترغيب الناس بها وربط سعادتهم وحريتهم بها.

وبذلك استعبدتنا بالحاجة لما تقدم؛ فأصبح كل سعينا أن نعمل حتى نحصل على ما يقدموا من خدمات ونحصل على الرفاهية المزعومة ولأن العرض والطلب مستمر، وسياسة الإغواء مستمرة أصبح الاستعباد اختياري.

ودخلنا في الدائرة المفرغة (اعمل لتستهلك، وعندما تنتهي اعمل مرة أخري لتستهلك المزيد)

كيف نخروج من دائرة العبودية؟

ولا سبيل للخروج من تلك الدائرة المفرغة إلا بإعادة التدقيق في المفهوم المطروح للسعادة من قبل هذا الفكر والنظر فيه بنظرة منطقية وموضوعية وإعادة ضبطه مما سيؤدى حتما للتعرف على المفهوم الحقيقي سواء للسعادة أو الحرية الحقيقية.

اقرأ أيضاً:

ثقافة السوق الحر وفنون التسويق، والاحتياج الزائف

جيلٌ هش .. الجيل المعاصر في خطر!