مقالات

الخميس الأسود حيث المذبحة الأشد إجراماً في التاريخ: مذبحة صبرا و شاتيلا

لن ننسى مذبحة صبرا و شاتيلا!

ينظر حوله متأملًا أولاده الصغار وأصوات لعبهم وضحكاتهم المجلجلة، يتساءل إن كان ينتظرهم غد أفضل من أيامه، إن كتب عليهم يومًا العودة إلى الوطن، ورؤية النصر، قبل أن تقاطعه خطوات زوجته وقد أتت حاملة “صينية” عليها أكواب الشاي الساخن، وعلى كتفها طفلها الذي لم يبلغ العامين من عمره بعد، فجأة يتحول الليل إلى نهار، وتتناهى إلى مسامعه أصوات الصرخات، لينظر مذعورًا من الشباك قبل أن يقـتحم مجموعة من الرجال المنزل، لحظات مرت كأيام، يرى بعينيه بطن زوجته وهي تبقر، أولاده وهم يلقون حتفهم برصاصات الغدر والخيانة، قبل أن يصعقه تحطم رأس الرضيع وقدم أحد الخنازير المقتحمة تدهسها، ثم رصاصات الرحمة لتنهي معاناته.

مذبحة صبرا و شاتيلا

اليوم: الخميس الأسود، التاريخ: السابع عشر من سبتمبر عام 1982، المكان: مخيم شاتيلا وحي صابرا بلبنان، يوم أن أظهر الكيان الصهيوني الغاصب وجهه القبيح للعالم بأسره، قبل أن يسارع العالم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بتلطيخ هذا الوجه بالأصباغ محاولًا تجميل صورته فما زادها في عيون العقلاء إلا قبحًا.

كانت المذبحة بعد مقتل الرئيس اللبناني المنتخب وزعيم المليشيات اليمينية المتعاونة مع الكيان الصهيوني (بشير الجميل) بيومين، بمخيم شاتيلا وحي صبرا الذي كان أغلب قاطنيه من الفلسطينيين حتى أخطأ البعض بالظن أنه مخيم، حصار للمخيم وسد لكل سبل الفرار والنجاة من قبل القوات الإسرائيلية بأوامر مباشرة من وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك (أرييل شارون) ورئيس أركان الحرب (رافاييل إيتان)، بمباركة رئيس الوزراء (مناحم بيجين) -الذي ويا للسخرية هو حاصل على جائزة نوبل للسلام!- مع المساهمة في القتل بجانب ما سمي بجيش لبنان الجنوبي الموالي للكيان الصهيوني، ثلاث فرق تدخل صابرا وشاتيلا لتقوم بواحدة من أبشع المذابح في التاريخ.

المذبحة الأشد إجراماً

لكي يمكن تصور هذه المذبحة، فأرقام القتلى تتراوح بين ثلاثة ألاف وثلاثة آلاف وخمسمائة قتيل أعزل، عثر على تسعمائة وخمسين منهم، ما بين أطفال ورضع وشيوخ ونساء، جثث محطمة الرؤوس، مفقوءة الأعين، مبقورة البطون، تحولت أكثرها إلى مصفاة من الرصاص، جثث ملقاة في الطرقات وقد تلقوا الطلقات بظهورهم، وآخرين تم العثور عليهم في الطرقات بين بيروت وصابرا، مقابر جماعية، نساء تم اغتصابهن قبل قتلهن بوحشية، مئات تم اختطافهم من قبل الصهاينة ونقلهم إلى جهات مجهولة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أخبرني يا صديقي، ما ظنك برد فعل العالم الإنساني من هذه الجريمة الخسيسة وقادتها؟ نعم هو ما تقول، شجب وإدانة، ولكي تكتمل تلك المسرحية العبثية، يقوم القتلة يوم 1 نوفمبر عام 1982 بتشكيل لجنة تحقيق خاصة يرأسها رئيس المحكمة العليا (إسحاق كاهان)، الذي أدان حكومة (بيجين)، وأوصت بإقالة (شارون)، ليرفض الخنزير الصهيوني (شارون) قرارات اللجنة ويقدم استقالته من المنصب، قبل أن يعود لاحقًا ليرأس الحكومة نفسها في كيان تتلطخ أيادي كل فرد منه رجل كان أو امرأة، شيخا أو طفلًا، بدماء عربية.

لا سلام مع الغاصب القاتل

عن أي عدالة ننتظر من القتلة؟ وعن أي سلام نتحدث؟ تصب الكراهية صبًا في جوفهم منذ نعومة الأظافر، بينما لا يعلم الكثيرون منا عن مذبحة صابرا وشاتيلا إلا اسمها، يحتفلون بيوم العدوان من قلب عاصمة العروبة وعلى مسافة أمتار عدة من ثورة لم تكد تشم رائحة النصر إلا وخرج الآلاف سيرًا على الأقدام صوب الحدود ومحاصرين سفارة الكيان الصهيوني الغاصب، يغالطونك بأن الأصل للمحبة والسلام، ولا يخبرونك بأنهم من دهسوا المحبة والسلام على جثامين الأطفال والرضع، إن الحب لا يكون إلا بعداء وكراهية كل من يقف في طريقه، فلا يستقيم الحب والإنسانية دون كراهية الظلم والعدوان، ولا يصح سلام دون عداء القتلة والغاصبين، فلا تنس ولا تتوقف عن تجرع كأس الكراهية المقدس، لا تخدعنك تلك الطنطنات عن الحريات والمساواة والتعايش السلمي.

 

اقرأ أيضاً .. رحلة البحث عن الحقيقة

اقرأ أيضاً .. سفر فلسطين، المسيح بيننا

اقرأ أيضاً .. ما هو الفن ؟

محمد صابر

مهندس حر

باحث في علوم التربية وفلسفة التعليم بمركز “بالعقل نبدأ”

دراسات عليا في كلية التربية جامعة المنصورة

حاصل على دورة إعداد معلم (TOT) من BRITCH FOUNDATION TRAINING LICENSE المعتمد من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية