مقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

“بقدر الكد تكتسب المعالي…ومن طلب العلى سهر الليالي”، أخرج من كهفك وأبحث عن النور!

 (عم حافظ) رجل طيب لم ينل حظه في  التعليم وكان يمتلك منزلًا مكونًا من طابق واحد ورثه عن أبيه، وَجَد عم حافظ  أن هناك حركه حوله في البناء، وجد أبراجا مكونة من عشرات الأدوار فسأل نفسه :لماذا لا أفعل مثلهم وأبني عشرة طوابق وبذلك أكون مثلهم في الوجاهة والثراء؟

 وفعلا بدأ في تعلية المنزل؛ لكن عند بناء الطابق الرابع بدأ الانهيار فلم يتحمل المنزل ذلك الحمل الزائد، وبدأ يتساءل لماذا حدث الأنهيار بينما تلك الأبراج المشيدة لم يصبها ما أصابه؟

 لكنه لم يدرك أن أباه عندما بنى هذا المنزل لم يشيد الأساس إلا لكي يبني طابقا أو طابقين على الأكثر، فكان البنيان مناسبا لوضع المنزل هكذا ولم يدرك (عم حافظ) ذلك إلا بعد فوات الأوان.

كذلك هي حياتنا نبني ثقافتنا وعقولنا على أسس وتقاليد كثيرة تربينا عليها فشيدنا على تلك التقاليد والعادات بناءً هو حياتنا وعلى نهج تلك العادات والتقاليد نتعامل مع كل ما في الحياة، نفكر، نتلقى الأحداث، نتعلم كما تعلم الأجداد وبنفس كيفية تعلمهم؛ بالحفظ والتلقين، بل ونفعل عادات وأعمال بقليل من التفكر قد نجد أنها لا جدوى لها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

تحضرني قصة لطيفة  لفتاة حديثة الزواج كانت كلما بدأت تقلي سمكة تقص ذيلها، وعندما سألتها لما تقصين الذيل؟ أجابت بأنها رأت أمها تفعل ذلك، وقبل أمها جدتها كانت تفعل نفس الشيء، لكن الجدة كانت تقص الذيل لأن مقلاتها كانت صغيرة لا تكفي للسمكة ككل.

فالمشكلة الأساسية للتأخر والتخلف هي عدم التفكير، فنحن لا نفكر. نعم لا نفكر.

 فالتفكير هو إعمال للعقل، نقد للذات، بحث في دواخل النفس، إعادة النظر في كل اليقينيات المبنية على أراء بشر دون دليل أو برهان، بشر قد يخطؤون وقد يصيبون؛ فالشك المنهجي مطلوب للخروج من ظلمات هذا الكهف الذي مازلنا نقبع فيه على الرغم من وجود التكنولوجيا بين أيدينا، على الرغم من وجود أجهزة (التابلت) و(الأي باد) مازلنا داخل الكهوف، كهوف الجهل والتعتيم والتسليم لكل ما يقال ويسمع بل والتقديس لكل ما يقوله حاكم أو رجل دين دون البحث والتفكير. لا يوجد كهنوت في الأراء أي رأي مهما كان قائله يمكن نقده والبحث في مدى صحته أو خطئه طالما توفر منهج البحث المنطقي وطريقة الاستدلال الصحيحة.

وللأسف نحن كثيرا لا نبحث عن الحل ألا بعد تفاقم المشكلات وحدوث الأزمات والكوارث. وقد يكون ما يحدث من كوارث هو بمثابة عامل إفاقة للعقل العربي لكي يبحث ويتسائل، وينقد.

 قد يكون هذا البؤس الذي  نعيش فيه هو النذير والباعث لإحياء تلك الأرواح الماثلة في أجسادنا  لكنها ماتت بداخلنا، فالفجر لا ينبثق إلا بعد أن تبلغ الظلمة ذروتها؛ عندها تشرق الشمس وتسطع على الأرض لكي تبعث فيها الحياة بعد الموت، فلا يأس طالما هناك حياة تنبض في الكيان الإنساني وطالما هناك همة تسعى إلى بلوغ القمة وقد قال المتنبي في ذلك:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بقدر الكد تكتسب المعالي        ومن طلب العلى سهر الليالي
ومن طلب العلى بغير كد         أضاع العمر في طلب المحال

فبداية أي تغيير وتجديد هي بالبحث ونقد الموروثات الخاطئة التي هي أرثنا عن أجدادنا، يجب نفض الغبار عن العقول باديء ذي بدأ.

 اخرج من قوقعتك لترى العالم، انفتح على ثقافة الآخر، لا أطلب منك نقض كل التراث والأخذ بكل ما هو جديد؛ لكن ما نطلبه لنا جميعا هو النقد التراث ونقد الحداثة فكلاهما بحاجة للنقد؛ فالثوب القديم طالما به ثقوب وقد بليت معالمه يجب ترقيعه إن أمكن الترقيع مع المحافظة عليه كما أن الثوب الجديد قد يحتاج إلي بعض التعديلات لكي يناسب مقاسي ويناسب تكويني.

 فالمحافظة على التراث أمر ممدوح؛ لكن استخدامه يكون بما هو صحيح في ذاته وواقعي صالح للتطبيق، فلا قطيعة مع الماضي ولا تماهي مع الحداثة، فيجب قتل الماضي بحثا وتفكيكه للوقوف على مبعث قوته ومكامن ضعفه والتصالح مع الماضي والتراث وأخذ ما صح منه ونفس الشيء مع الحداثة نأخذ ما يتوافق مع ما صح من ثقافتنا أي توليد حداثة تسير على تعاليم ثقافتنا لا حداثة مستوردة قد لا تتوافق كلية مع أفكارنا ورؤانا.

وكبداية للعلاج يجب أن نتسلح بالسلاح الذي به نستطيع أن نبلغ ما بلغته الأمم المتقدمة؛ فالحضارة والتقدم لا يحابيان أحدا؛ فالباطل  المستعد والمتسلح بكل سبل النصر ينتصر على صاحب الحق  المتخاذل الذي لا يأخذ بتلك السبل.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 لا معنى لأن أسهب في الدعاء لكي يوفقني الله في امتحاناتي وأنا لم أقترب من الكتاب والتحصيل لكي أنجح. فالتوفيق وطلب المعونة من الله أمر واجب مع الأخذ بالأسباب، فكل النكبات التي تمر علينا لم نأخذ بأسباب دفعها، انتصار إسرائيل علينا لم يأت من فراغ ولا أقصد هنا الانتصار العسكري فقط؛ بل هناك انتصار علمي وبحثي، فابحث عن عدد رسائل الدكتوراة والبحث العلمي في إسرائيل وانظر إلى نظيرها في الدول العربية مجتمعة تجد البون الشاسع ، وبعد ذلك نقول لماذا لا ننتصر؟ لماذا الغرب متقدم ونحن متأخرون؟

 إن السنن الإلهية في الكون لا تحابي أحدا ،يجب أن نعلم ذلك لأن الثمرة لا تثمر ولا تؤتي أكلها إلا لمن تعهدها بالإصلاح وتعهدها بالرعاية وأخذ بأسباب النمو.

والمسؤولية ليست مسؤولية حكومات وحدها وليست مسؤولية منظمات فقط؛ بل المسؤولية تقع علينا جميعا كأفراد وكأباء و كطالبي علم، المسؤولية مسؤولية المجتمع ككل فالوعي بالمشكلة ثم البحث عن سبل حلها هو الطريق. وعلينا كأفراد التعلم، فالتعلم لا يتوقف عند مرحلة معينة بل هو عملية مستمرة باستمرار العمر؛  فلنتعلم سبل التفكير ولنتعلم كيف ننقد نقدا منهجيا؟ كيف نسأل؟ فالسؤال هو نصف الطريق إلي الإجابة.

 نسأل عن معنى الوجود عن معنى أن نحيا كإنسان ، كفرد له مسؤولية تجاه نفسه وتجاه الآخرين. نحن لا نعيش في جزر متفرقة بل يجمعنا عالم واحد نعيش فيه هو عالمنا الأرضي.

 يجب أن نتكاتف كأفراد، كمنظمات، كدول لكي نخرج من تلك الكبوة التي تهدد الإنسان كإنسان .البداية بالذات الفردية  ثم النظر إلى ما هو خارجها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

التغيير الأمثل يبدأ من الداخل للخارج، فهو أقوى من التغيير الذي يفرض علينا خارجيا. فالإيمان بضرورة التغيير والتفكير هو واجب على كل فرد، انهل من المعرفة وطبق ما تقرؤه على نفسك وعلى الواقع الذي تعيشه، تعلم وعلم الآخرين، لا تجعل المعرفة تقف عندك بل انشرها في الفضاء المجتمعي  بعد أن تثق في صحة وجدوى تلك المعرفة.

 إنه واجبنا جميعا أن نخرج من كهوف الجهل إلي دنيا وفضاء المعرفة والعقل

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

.

محمد سليم

عضو بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالإسكندرية

مقالات ذات صلة