كيفية التغلب على الخجل، أسباب الخجل المرضي وطرق علاجه
الحكاية تبدأ بارتباك نتيجة موقف؛ والارتباك حالة اضطراب بسيطة سببها موقف غير متوقع ولم يكن في الحسبان. ثم يتبع ذلك شعور بالحرج؛ الذي هو شعور وقتي وواقعي يوقع الشخص في حالة من الخجل أو “الكسوف” يصاحبه بعض الأعراض الجسمانية كالعرق واحمرار الوجه أو الصداع الشديد وربما التقلصات المعوية وغيرها من الأعراض.
إلى هنا الأمور طبيعية تماما، ويكاد لا يكون هناك إنسان على وجه الأرض لم يتعرض لهذين الأمرين.
بداية ظهور مشكلة الخجل الاجتماعي
تبدأ المشكلة في التفاقم عندما يبدأ الشخص في “جلد ذاته” ويشعر بالخزي نتيجة تلك المواقف أو الأحداث؛ والخزي درجة عالية من توبيخ النفس، تحدث عادة بعد مواقف محرجة، وتزداد درجته بزيادة شدة الحرج الذي قد يكون بسبب الموقف ذاته أو الشخص وطبيعته أو كليهما معا.
فما هو الخجل؟ وما الفارق بينه وبين الحياء؟
ومتى يكون الأمر مرضيا ؟
وماهي آثار الخجل المرضي؟
ثم كيف نتغلب عليه؟
الفرق بين الخجل والحياء:
تعريف الخجل
الخجل في حقيقته أمر طبيعي ومسبب؛ فمن منّا لم يمر في حياته بمواقف متعددة تعلثم فيها لسانه أثناء حديثه أمام الناس؟ أو وقع فيها على الأرض؟ وربما تقطعت ملابسه في يوم ممطر وقد ابتلت بالماء والطين!
الخجل الطبيعي شعور إنساني سببه الفعل غير المألوف وغير المتوقع، لكنّه عندما يزداد ويصل لحالة شبه دائمة من استحضار ذلك الشعور وتذكر تلك المواقف وجلد الذات بسببها يكون قد دخل في مرحلة غير طبيعية وتحتاج للتدخل حتى لا يتفاقم الأمر.
تعريف الحياء
أما الحياء؛ فهو خلق كريم وأمارة صادقة على أدب الإنسان، فالشخص الحيائي هو إنسان يستحي أن يفعل القبيح ، أو أن ينظر لأمر أو فعل أو مشهد قبيح، يستحي أن يظلم، ويستحي أن يطلب منه أحد المساعدة فيتركه،
يستحي أمام الله إذا فعل ذنبا، وأمام الناس إذا خذلهم ولم يكن عند حسن ظنهم، مثل هذا الخلق الرفيع هو أمر محمود ومطلوب وتحث عليه التعاليم الدينية ويؤيده العقل تماما.
وللتفرقة بينه وبين الخجل، يمكن ببساطة اعتبار الخجل في مطلق المواقف المربكة، أما الحياء فيكون فيما هو خاطيء وقبيح، وبهذا يكون الحياء دافعا يردع الإنسان عن فعل القبائح، بينما الخجل قد يمنعه من فعل الخير وما ينبغي عمله نتيجة الخوف من ذلك الشعور النفسي المؤلم.
تعريف الخجل المرضي
إذا زاد الخجل عن حده المألوف وأصبح الإنسان يستدعي ذلك الشعور بشكل مستمر ويجتر مواقفه السابقة ليشبع نفسه جلدا وتوبيخا، أو أن يتخيل نفسه في موقف جديد مشابه – لم يحدث أصلا- ثم يشعر بذات الشعور فقد بدأت أعراض الخجل المرضي الذي تصاحبه عادة مجموعة أعراض جسمانية مرتبطة بتلك الحالة النفسية.
يسمي علماء النفس هذا الخجل المرضي الشديد “الرهاب الاجتماعي” أو “القلق الاجتماعي الحاد”؛ وهو يتعدى مرحلة الخجل ليدخل في الخوف الشديد “الفوبيا” من بعض الأمور ذات الصلة بالتواصل الاجتماعي، أو بكل ما له صلة بالتواصل مع الآخرين من الأساس!
وهذا الحالة يكون لها آثار نفسية واجتماعية سيئة للغاية على الفرد؛ منها فقدانه القدرة على التواصل، وضياع الكثير من طاقاته ومواهبة وإمكاناته، بل والكثير من الفرص السانحة والمتوافقة مع قدراته. كل ذلك نتيجة ذلك المرض الاجتماعي.
أسباب الخجل المرضي
أما أسباب ذلك فيمكن حصرها في عوامل ثلاثة؛
العامل الأول هو المعرفي والإدراكي:
وهو يشتمل محصلة ما لدى الفرد من أفكار وقناعات راسخة تخص طبيعته وقدراته، ومعها مجموعة خبرات مكتسبة من مواقف وسلوكيات متعددة، إما أن تكون سلبية فتعزز لدى الفرد الشعور بالخجل وتزداد المشكلة تفاقما، أو أن تكون إيجابية فيكون لها أكبر الأثر في التخلص من وتجاوز تلك الحالة.
العامل الثاني تربوي بيئي:
وله علاقة بظروف تربية ونشأة الإنسان، وهي بدورها لها أثر كبير في تأصيل تلك الحالة أو تجاوزها، وهنا علينا أن ننوه أن الكثير من حالات الخجل المرضي لدى الأبناء تكون نتيجة وجود نفس الحالة لدى الآباء ويتم غرسها فيهم لا إراديا بالكلمات والمواقف والسلوكيات.
العامل الثالث فهي جيني وراثي:
وهو وجود النزوع والاستعداد لدى الفرد للإصابة بذلك المرض.
والجدير بالذكر أن النزوع الجيني لن يظهر أثره إلا إذا تم تعزيز العاملين الآخرين أحدهما أو كلاهما (المعرفي والتربوي) بحيث يظهر المرض ويتحول من الاستعداد إلى الإصابة الفعلية.
علاج الخجل المرضي
أما العلاج فهو يبدأ دوما بالجانب المعرفي ثم السلوكي العملي؛ بحيث يمكن تصنيف العلاج بالترتيب كالتالي:
-
العلاج المعرفي للأفكار السلبية
ويكون من خلال ضبط الأفكار الخاطئة التي أدت لتراكم معرفة مغلوطة وخبرات سلبية لدى الإنسان، ومن المفيد جدا هنا دراسة بعض الموضوعات المتعلقة بقواعد التفكير المنطقي لمعالجة أنماط التفكير الخاطئة (كالمبالغة والثنائية والتعميم) والتي عادة ما تصاحب الشخص المصاب بالخجل المرضي.
ومن الأمثلة التي تعين على ضبط الأفكار، أن يعرف الشخص الخجول أنه ليس مركز الوجود وأنه قد لا يلتفت له أحد من الأساس إذا حدث ما يخشاه ووقع المحظور!
كما من المفيد جدا الابتعاد عن التقييم المادي للأشخاص، فالإنسان الجميل هو ذو المعرفة والخلق وليس ذو الشكل والمظهر الجذاب.
-
المعالجة الجسدية
ثم يأتي دور المعالجة الجسدية التي تعتمد على بعض التكتيكات الخاصة بإخفاء الأعراض الجسمانية أو التعامل معها ببساطة وكأنها أمور طبيعية مثل تجهيز ردود جاهزة إذا تسائل الناس عن تلك الأعراض (كأن يقول أن العرق مفيد أو وجهي أحمر لأن به دموية وبهذا يكون شكلي جميلا! و…..) ، وقد يساهم أخذ الأمور بضحك وفكاهة في تهدئة الأجواء وتقليل تلك الأعراض.
-
اكتساب مهارات التواصل الاجتماعي
ولكي تكتمل حلقات العلاج من الضروري العمل على اكتساب مهارات التواصل الاجتماعي والتدريب عليها بشكل متدرج، مما يفيد في الحصول على بعض المهارات الأساسية للتواصل والتي بدورها تعزز الثقة في النفس وفي قدرتها على مواجهة مشكلات التواجد وسط الناس والتفاعل معهم.
في النهاية أثبتت الدراسات النفسية أن الأشخاص الذين ليس لديهم خجل مفرط أو تمكنوا من التغلب عليه يواجهون ضغوطا أقل في حياتهم، ويميلون للاحتفاظ بصحة جسدية ونفسه أفضل.
فلنسد لأنفسنا أكبر معروف ونعطي بعضا من الوقت والجهد لمعالجة تلك المشكلات والأمراض الاجتماعية، مثل الخجل القاتل للطموحات والطاقات والفرص، فالأمر يستحق، وسوف يساعدنا ذلك بشكل لم نكن نتوقعه.
المراجع:
- كتاب تغلب على الخجل لـ موري بي شتاين، جوت آرووكر
- كتاب قواعد التفكير المنطقي، بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث
- بحث علم النفس العقلاني ، من موقع بالعقل نبدأ mashroo3na.com
اقرأ أيضاً:
***************
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.