مقالاتقضايا وجودية - مقالات

الحياة الإنسانية والإنسان – الجزء الثالث

ما يجب فعله

كل شخص منا له مجموعة من القيم و المعايير التي تُشكل له ما ينبغي القيام به في هذه الحياة كذلك ما لا ينبغي القيام به، وفي البحث عن الحياة الإنسانية يجب التأكد على ما نقوم به ، يسير وفق الغاية الكلية لوجودنا وبما يتفق مع متطلبات تلك الحياة الإنسانية.

هذا النمط الفكري الذي يبحث عن توافق المعايير والقيم مع السلوكيات بحيث تُؤدي الغاية والهدف المنشود؛ يحتاج إلي نظام فكري وفلسفي سليم وواقعي لا يغفل الجانب المادي ولا المعنوي ، كما لا يغفل دور الإنسان في تحديد ماذا يريد أن يكون عليه، حيث يشمل النظام الفكري الفلسفي نظرة كونية محكمة، وموقفا منطقيا خاصا مجهزا بالاستدلال المنطقي الواقعي حول العالم ، موقف قوي ومترابط الأجزاء وشاملاً.

غياب الترابط والشمولية

وقد نلاحظ امتلاك العديد من المدارس الفكرية والتوجهات الفلسفية بعض من الأفكار والرؤية السليمة، لكن تنقصها الشمولية والترابط المحكم حول الإنسان والوجود، وقد يكون هذا هو سبب انخداع البعض بأن تلك المدارس والتوجهات الفكرية سليمة ويمكن الاعتماد عليها في تكون رؤية سليمة، إلا أن الكثير منها يشوبه الخلل المنهجي والنقص في الترابط الفكري، ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في أتباع الفكر المادي الذي يسود عالمنا المعاصر ،

هذا الفكر الذي يدعي الشمولية المعرفية والمنهجية ، هو نفسه من ينكر الجانب المعنوي للحياة الإنسانية والوجود، ويعطي حق اللذة والمنفعة الشخصية القيمة العليا في الحياة، ويمارس حق القوة وسحق الأضعف في تعاملاته السياسية والاقتصادية، فقد أسس هذا الفكر (إن صح التعبير) لسياسية البلطجة الدولية واستعمار الشعوب ، ورفض كل ما هو معنوي؛ مما تسبب في الكثير من الأزمات النفسية والاجتماعية والأسرية والأخلاقية لكلا من الفرد والمجتمع على حد سواء.

النظرة الواقعية المستوجب إدراكها

إن ما ينبغي أن يقوم به الإنسان في حياته، ليس مرتبط فقط بالأمور النظرية؛ بل هو نظام مشترك ما بين الفكر النظري والتطبيقي العملي، يدور حول ما هو الأفضل أن يكون ، وهذا بالطبع يعني البحث حول ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إن الإنسان في بنائه الحياتي ينظر للمستقبل، وإن انشغل بالوقت الحاضر أو أهمّه الماضي، الكل يسعى للوصول بعالمه إلي ما يتمنى وما بين تلك الأمنية وحتمية النظام المحكم للوجود ، ما بين الاحتياجات المادية والمعنوية ، وقع الغالبية في جدلية الحرية المطلقة، التي لا يدعمها أي أساس منطقي، فكيف يتحرر الإنسان من كل قيد وجبر؟! كيف سيتحرر من طبيعته الإنسانية ولوازمها؟! ولوكان الإنسان حر حرية مطلقة لا تخضع لأي قانون وأنه هو المسؤول الأول عن نفسه؛ فلماذا يلوم البعض أو الظروف عندما يشقى؟!

إن النظرة الواقعية التي يجب أن يدركها الإنسان أنه حر الاختيار وفق سنن وقوانين منها المادي ومنها المعنوي الغيبي، يجب أن يدرك أن سعيه المادي وقضاء حوائجه المادية ما هو إلا وسيلة لهدف أسمى وأبعد من المادة الفانية، تلك المثل العليا السامية تزرع المسؤولية وتهدي الإنسان؛ بمعنى أنها ترسم له الطريق الذي يجب أن يسلكه كإنسان، وتوضح أسلوب الوصول إلى الأهداف ؛وبالتالي تبعث الحماس في النفس وتطمئن القلوب نحو التضحية والشجاعة وغيرها من القيم الأخلاقية العليا التي تعطي للحياة الإنسانية هدف وغاية.

فلا يمكن أن نكون بشر ونطلب السعادة بحياة حيوانية تقتصر على الجانب المادي وتغفل الجزء الأصيل الباقي في وجودنا الإنساني.

الرؤية المادية العبثية

فالفكر المادي يعبر لنا على لسان ( سارتر) حيث يقول ” إن على الإنسان أن لا يقف عند حد معين؛ بل يتقدم دائما ويقتحم كل الحدود ويغير أطروحاته، فإذا وصل إلى هدف؛ تجاوزه إلى آخر وهكذا يمضي إلى الإمام”

تلك الرؤية التي يطرحها الفكر المادي هي نفسها الرؤية الناقصة التي أشرنا إليها في بداية المقال ، كلام خادع لكنه جذاب ينخدع به الكثير، فتلك الحركة اللامتناهية غير واضحة الملامح لا عند البدء ولا إلى أين غاية الوصول والهدف، كلام غير منضبط ولا يمس بالمنطقية يجعل الإنسان يتحرك باستمرار حتى تنفتح أمامه الآفاق (كما يدعي هذا الفكر )، لكنه نفس الإنسان الذي لا يعلم شيئا عن الهدف النهائي؛ بل لا يعرفه أبدا لأنه على حد زعم أصحاب هذه المدرسة أنه لا يجب أن يتوقف، ولا يجب أن ينطلق من نقطة ثابتة ولا يصل لهدف ثابت ومحدد ، قمة العبث والاستخفاف بعقول الناس!

أما في الرؤية الواقعية نجد الهدف منذ البداية واضحا ومحددا ولا متناهيا في نفس الوقت، لذلك نجد أنه من الصالح في الحياة الإنسانية أن نختار جيدًا نمط التفكير المنطقي الواقعي الذي يحدد لنا رؤية سليمة يمكن إدراكها والدفاع عنها ، كذلك يمكن ممارسة الأفكار الناتجة عنها وضمان موافقة تلك الأفكار لحقيقة الإنسان واحتياجاته وطبيعة هذا الوجود.

اقرأ أيضا:

الجزء الأول من المقال

الجزء الثاني من المقال

المادية هلاك للإنسانية