مقالاتقضايا وجودية - مقالات

الحياة الإنسانية والإنسان – الجزء الثاني

تفاعل الفرد والفكر

إن الحياة الاجتماعية بمفهومها الواقعي، أنها الحياة المنظمة، التعاون فيها وفق أهداف مشتركة سواء أهداف مادية أو معنوية فمن الممكن أن يحكم المجتمع ” قوانين الشركات التجارية “.

فهذا (راسل ) يعتمد الأخلاق على هذا النمط التجاري النفعي؛ حيث الأخلاق أساسها الاجتماعي هو النفع الفردي، حيث يرى أن الأفراد يدركون أن الحفاظ على منافعهم يتطلب أن يراعيَ كل فرد حقوق الآخر.

وهنا نرى أن هذا المفهوم النفعي يعارض نفسه بتعارض المنفعة الشخصية وتشخيص المنافع العامة والخاصة.

هل المساواة في الحقوق المادية هي الأساس؟

والبعض يطرح بأن التعاون الأمثل لا سبيل إليه إلا من خلال المساواة بين الأفراد، ولا يرى أي وجود للحقوق المعنوية حيث أن المساوة في الحقوق المادية هو الأساس ولو ألغينا الملكية سيكون التعاون البشري أكثر فاعلية ، بالرغم من أن الملكية ليست وحدها هي من تعطي امتيازات وفروق فردية؛ فالمجتمعات الشيوعية نفسها، وهي الدول التي تبنت تلك الفكرة.

لم تخلوا من التمييز والتفرقة ولم يتحقق العدل المنشود، كما أن الاحتياجات المادية ليس حصرًا؛ هي احتياجات الإنسان فقط، كما أن الفروق بين الناس ليست مالية فقط؛ فالسعي للتميز والشهرة احتياج للبعض، والقيمة العلمية فارق عن الآخر والارتقاء الأخلاقي والسلوكي هدف للبعض الآخر .

اضغط على الاعلان لو أعجبك

على هذا التصور السابق؛ نجد أن لا يمكن أن يستغني أي مجتمع عن مجموعة من الأهداف المعنوية والقيم، بالرغم من هجوم البعض على تلك الاحتياجات المعنوية، باعتبارها أمور غير واقعية ووهمية.

مما يدفعنا إلى التعرف على حقيقة هذه القيم المعنوية التي يعطيها الإنسان قيمة عظمى في حياته بالقدر التي تجعله يضحي من أجلها بالغالي والنفيس. هل هي حقا قيم واقعية؟! لذلك تجد هذا السؤال يبرز نفسه حول تلك الحالة وهو ما هي (القيمة )؟

مفهوم القيمة

نقصد بالقيمة بمعناها الأعم من الأمور المادية، فالمدرس له قيمة عندي حيث يساعدني في التعليم كذلك الطبيب والدواء.

القيم مُفردها قيمة، وترتبط لغويًّا بمادة قَوَمَ والتي تمتلك عدّة دلالات منها قيمة الشّيء وثمنه، والثّبات والدّوام، و الاستقامة والاعتدال، ونظام الأمر وعِماده. وأقربها لمعنى القيمة هو الثّبات والدّوام والاستمرار على الشّيء.

أمّا اصطلاحًا فإنّ القيم هي جملةُ المقاصد التي يسعى القوم إلى إحقاقها متى كان فيها صلاحهم عاجلاً أو آجلاً، أو إلى إزهاقها متى كان فيها فسادهم عاجلاً أو آجلاً. وهي القواعد التي تقوم عليها الحياة الإنسانيّة وتختلف بها عن الحياة الحيوانيّة، كما تختلف الحضارات بحسب تصوّرها لها.

وقد وردت في القاموس التربويّ بأنّها صفاتٌ ذات أهميّة لاعتبارات نفسيّة أو اجتماعيّة، وهي بشكل عامّ مُوجّهات للسّلوك والعمل.

فعمل الخير بالنسبة للآخرين دون أن تكن فيه للإنسان المنفعة المادية هو قيمة يسعى إليها وهو بلا شك يشكل عمل فيه خدمة للمجتمع والجيل القادم ، بالرغم من ذلك يسعى الكثير لفعل الخير تلبية لاحتياجات معنوية. إن الإحساس بالسعادة من نصرة مظلوم أو ضعيف هو إحساس حقيقي وليس وهمي، كما أن قبح الظلم حقيقي وإن حقق نفع وهمي.

تحقيق المنفعة الشخصية لا يكفي

فكل مجتمع وفكر يحتاج إلى مثل هذه الأهداف والقيم المعنوية، ولا يكفي فقط تحقيق المنفعة الشخصية، وبالمثل امتلاك القوة بغرض العدوان لهو أمر قبيح ومرفوض وسبب الفوضى للعالم وكم من شعوبٍ سُلبت نتيجة عدم امتلاكها قوة المعتدي.

كذلك نجد المسؤولية التي يتحلى بها الأفراد تجاه عدة أمور في الحياة هي ليست مادية ، بل هي من الجوانب المعنوية في حياة الإنسان ، إن الفكر العاري من المسؤولية تجاه النفس والمجتمع ويخلو من الهدف والغاية ويقتصرها على اللذة المادية؛ هذا الفكر سخيف بلا أدنى شك حيث يرتقي للموضوعية والنظرة الواقعية للإنسان والوجود.

وقد طرحنا في المقال السابق سؤال حول الغاية

يطرح سؤال آخر نفسه عن كيفية بلوغ تلك السعادة وأي الطرق التي تحقق العدل؟ مع العلم بالجهل الذي عند الإنسان والنقص الذي يوجد بداخله وهو معرفة الطرق والأساليب الأنسب للوصول لتلك الغايات الكبرى.

وبعد طرح بعض الأفكار وتفاعل الإنسان معها، وبعد التأكيد على واقعية القيم نجد الإجابة حول تلك الغايات الكبرى سواء سعادة الإنسان أو تحقيق العدل، لا ينفك ذلك كله دون الإيمان بوجود خالق عالم ومدبر حكيم خلق هذا الوجود بنظام محكم دقيق بمقتضى علمه وغناه المطلق ليصل بهذا الوجود للنظام الأصلح.

ووفق هذه الرؤية نجد أن الإنسان في رحلة كماله التي خُلِق من أجلها في هذه الدنيا يسعى لهذا الخالق بكل وجدانه، فإذا كانت كل القيم مصدرها هذا الخالق العظيم وكل هذا العدل والإتقان في الخلق والوجود، من الطبيعي أن يكون تكامل الإنسان وسعادته مقترن بالتقرب والتعرف على إله الكون وخالقه؛ ينهل من العلم ويتخلق بالأخلاق يكون مؤهلا وفق الرؤية الواقعية السليمة لمعرف دروب تحقيق العدل والسعادة.

اقرأ أيضا:

الجزء الأول من المقال

مذهب الأثرة (المنفعة الفردية – توماس هوبز)

آفات المجتمع تظهر في أزماته