مقالات

قوّة الجذور

من منا لا ينتابه الحنين إلى بيته؟ إلى مسقط رأسه، إلى بلده، إلى وطنه الكبير؟ ومن منا لا يحنّ إلى مرابع الصبا والأقارب والجيران؟ وسنوات الدراسة الأولى، والأصدقاء القدامى؟

إنّ قوة الارتباط بالجذور والمنشأ لها سحرها واشتياقها الخاص الذي ليس له مثيل، ويؤكّد هذا على الرغم من حال الضيق والشدة والشوق في آن واحد، قول النبي (صلى الله عليه وسلم): “والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أنّي أخرجت منك ما خرجت”.

تمثّلت قوة الجذور في رواية “الجذور” للعبقري أليكس هايلي، الأمريكي من أصل إفريقي، الذي ظلّ 12 عامًا يبحث عن أصوله وجذوره وأجداده، ما بين لندن وإفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية، فاطّلع على الوثائق والكتب والمراجع وقام بعملية استقصاء شامل، إلى أن خرج لنا بهذه الرواية العظيمة التي تقع في جزأين، ومائة وعشرين فصلًا، والتي باعت أكثر من 50 مليون نسخة.

التمسك بمسقط الرأس والعودة إليه كلما سنحت الفرصة لذلك واضح في الثقافة الصينية، عند أخذ إجازة العيد الوطني، أو عيد الربيع، أو في وقت إجازة طويلة، فيتشبثون بذلك حتى يقضوا أكبر وقت ممكن مع الآباء والأجداد وأصدقاء الطفولة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إنّ الحنين إلى مولد الإنسان ونشأته أو انتمائه لبلد أبيه وأمه وأجداده لا يحتاج إلى وصف طبيب، أو وضع مكافأة، أو تسليط أضواء والتقاط صور باهتة لا معنى لها، وإنما هي حالة إحساس داخلي بالانتماء وارتباط أقوى من المغناطيس، واستشعار بأنّ هذا المكان وهؤلاء الناس لهم حق عليك ولديهم حقوق لك.

لقد رأيت بعض الذين تركوا الريف واستقروا في المدينة فحسبوها المدينة الفاضلة، يذكرون مسقط رأسهم بسوء وقلّة الخدمات، والناس يتكلمون في حق بعضهم، إلى آخر هذه الحجج الواهنة التي لا تخرج من فم طفل سويّ.

نعم، إنّ الإنسان السوي هو الذي يعرف أنّ كل مكان فيه ما فيه من المميزات والعيوب، فحياة القرية لها خصائصها كالبساطة ونمط الحياة التي تصعب على أهل المدينة، والمدينة بتوفير خدماتها وفرص العمل والضوضاء التي يحسبها بعض القرويين ضربًا من الخيال، فالإنصاف لا بد منه.

قد تنتقل الأسرة إلى المدينة والأولاد صغار، أو ولدوا في المدينة، فيُحدِث الآباء فارقًا وفجوة بوعي أو من دون وعي، فلا يعرّفونهم على بلدهم وأشخاصها ومعالمها وجمالها، بل من الممكن ذكر مسقط الرأس بسوء أمام الأولاد نتيجة لبعض المواقف الشخصية الفردية فيتم التعميم والطمس، وشحن الأبناء ومن ثم تربيتهم على الكره والبغض، طبعًا لكل قاعدة شواذ.

يقول المثل العامي: “اللي ملوش كبير بيشتري له كبير”، وصدق من قاله، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه وأهله وأصدقائه ومعارفه، إننا لا نعيش في صحراء بهوية مجهولة، بل نعيش في مجتمع ونتعامل مع أفراد في البيع والشراء والأخذ والعطاء والزواج والمعاملات.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وهنا لا بد من ذكر حسنة من حسنات قصور الثقافة، وهو استحداث برنامج “العودة إلى الجذور”، وهو برنامج أطلقته الإدارة المركزية للشؤون الثقافية، ويقوم على الاحتفاء بالمبدعين والأدباء والكتّاب والمفكّرين على مستوى محافظات مصر، الذين أثروا الحياة الأدبية والثقافة المصرية والعربية وقدّموا أعمالًا تنويرية نافعة للمجتمع.

إنّ الانتماء إلى موطن الإنسان ومسقط رأسه يربّي فيه الانتماء والإخلاص أيضًا للمكان الذي يدرس، أو يعمل فيه: مثل المدرسة والجامعة، والوزارة، والشركة والمؤسسة، فيتعامل مع أسرة واحدة بروح الجماعة لا بروح الفردية البغيضة الأنانية التي لا تفضي إلّا إلى التفرّق والتشرذم.

إننا بالفعل نحتاج إلى برامج توعوية وطنية مختلفة للتعريف بالوطن الأم، وزرع حب مسقط الرأس والصبا وخاصة لدى الأطفال والشباب لتكون صورة إيجابية جميلة وجاذبة.

مقالات ذات صلة:

فريضة “حب الوطن”

اضغط على الاعلان لو أعجبك

على باب الخمسين أقفُ!

هكذا تغير دور الأسرة

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر

مقالات ذات صلة