حماية وهمية
حماية وهمية
فى أغلب الأحيان تستوقفنا وتصدمنا مواقف حياتية محزنة ومؤلمة، والتى يمكن أن نتوقف أمامها لسنوات تحت تأثير الألم عاجزين نشعر بالشلل ونحن غير منتبهين أن الدنيا والعمر يمضيان وأن كل الأشياء تسير وتمضى إلا نحن.
متوقفين عاجزين عن الحركة رغم أن صحتنا جسديًا ممتازة، إلا أن المتسبب في عجزنا هو مشاعرنا التى أصيبت بالشلل فتخطت العقل وحكمتنا وحكمت على الجسد كله حكمًا بالشلل فى موقف خوف من المجهول و حماية وهمية للنفس من تجارب الحياة كلها.
تلك التجارب التي فيها الكثير جدا من المواقف التي مهما كانت مؤلمة أو محزنه إلا أنها احتياج طبيعي لنمو العقل وإشباعه بالحكمة وأن حماية النفس منها يضر ولا يفيد .
فبرغم ما يعترينا وقتها من الآلآم مع كل موقف حزين ومؤلم نمر به إلا أن التجارب تثقلنا بخبرات وقدرات فى الحياة لم نكن لنحصل عليها بمواقف السعادة والرتابة والروتين الذى يبعث على الارتخاء والركون والسقوط والتسافل فى الخبرات وزيادة السذاجة وتقبل الجهل والتأخر بدلا من التقدم فى الحياة ومواكبة ركب الحضارة والتقدم الإنسانى.
ومع الرتابة يتأتى الملل من هذه الحياة الخالية من التجارب والتفاعل، والتى يذهب أثرها سريعا وكذلك أثر مواقف السعادة البسيطة فيها، وهي بكل تأكيد تبقى مؤقتة فى حدوثها وأيضا فى الأثر المترتب عليها.
إذن ما نستنتجه هو أننا نعانى من عقبات و مشكلات تؤثر علينا وعلى إبداعنا وسعادتنا فى الحياة، ومن وجهة نظري المتواضعة أن هذا أمر جيد.
هل تعلم لماذا؟ لأننا لو وضعنا فى اعتبارنا أن كل عقبة نتخطاها هى درجة نرتقيها فى سلم التكامل والنجاح، فمع كل موقف مؤلم وتجربة مريرة نتخطاها تصبح الحقيقة أكثر وضوحًا.
الحقيقة التي ستسعى بك إلى الوصول للسعادة الحقيقية وكمالك الحقيقي، الذى لا محالة هو السعادة الأبدية، وليس كمالا وهميا نصطدم بحقيقته فجأة بعد فوات الأوان، ولذلك يجب أن نعتبرها فرصة للتعلم ولاكتساب خبرات جديدة واقعية عن تجربة تعلمنا وتؤهلنا لحل مشكلاتنا، فسنراها عندئذ بمنظور المنحة وليس المحنة، فلو تخيلنا أن هذه المواقف والمشكلات التي تواجهنا خصمٌ يريد القضاء على مبادئنا وعلى ما هو جميل بداخلنا وكلنا يعلم أنّ من يريد أن يحارب فعليه أن يتسلح بما يتناسب ونوع الحرب التى هو مقبل عليها، ولو تخلينا عن القتال أو قصرنا فى استخدام الأداة المناسبة للتسلح فإن ذلك التخاذل والتقصير يعرضنا للهزيمة لا محالة. ليس أمامنا إذنسوى خياران؛ الأول أن نطور قدراتنا ونقبل الحرب ونتسلح بما يتناسب والموقف.
والثانى أن نتخاذل ونخسر الحرب ونعجز أمام أول تجربة نمر بها. ويتوقف ذلك على طريقه استجابتنا للمشاكل وكيفية التعاطى مع المشكلة أو الموقف المؤلم والتجربة القاسية، فالانتصار فى معركة ما يستلزم مراعاة خطوات الاستعداد والجهوزية والتحلي بالشجاعة الكافية للمواجهة والنزول إلى ساحة المعركة.
والحقيقة أن سبب حالة الشلل التى تصيبنا عند المواجهة أننا تخلينا عن حماية حقيقية لأنفسنا قبل الموقف الذى أصابنا بالشلل لو لم نتخلَّ عن “سلاحنا” ؛الأدوات السليمة للحكم على الأمور بشكل صائب، لو لم نتخلَّ عن “ميزان” الصواب والخطأ فى الحكم على الأمور، لو لم نتخلَّ عن العقل والتعقل لَمَا أصابنا الموقف بالحزن والشلل من الأساس، فالعقل هو الأداة الوحيدة القابلة للحكم على الأشياء والأمور بشكل يقينى.
فإذا لم يكن بشكل برهانى معقد فإنه سيكون على الأقل منطلقا من البديهيات العقلية التى تفيد اليقين بما أنها هى اللّبنة الأساسية التى يقوم عليها التفكير الفطري الإنساني.
فإعمال العقل وحدة هو الحماية الكافية اللازمة للجسد والنفس معا، والمشاعر أيضا. واستجابة المشاعر والجسد للعقل كافية أن تغيّر منا ومن سلوكنا نحو المشكلات والمواقف الصادمة أو المؤلمة التى تؤذينا ومن طريقة تقبلنا واستيعابنا للتجارب والحياة من حولنا، بل وحسن التعامل معها ومواجهتها بقلب قوي ومشاعر أقوى يحكمها العقل الحكيم القادر على إدارة الدفّة كما ينبغى وقت اللزوم.
فقيادة النفس الإنسانية لم ولن تكون بأداة أفضل وأصدق من العقل الحكيم الذى يميز الإنسان عن سائر المخلوقات والأشياء، فمثلا إذا قررنا أن نقود السيارة عن طريق الباب مثلا أو عن طريق الكرسى فأين الدافع والمتحكم في القيادة؟ فمهما فعلنا ومهما أجرينا من محاولات لجعلها تتحرك فلا شئ يجدي سوى أن نمسك بعجلة القيادة الطبيعية مع ملىء السيارة بالوقود المناسب.
هكذا هي النفس الإنسانية؛ يجب أن يقودها العقل الممتلئ بالعلم والمعرفة الصحيحة، فمهما حاولت قيادتها بما لا يناسبها مثل المشاعر والأحاسيس فلن تستطيع السير خطوة واحدة.
كما يجب على من يريد القيادة أن يتعلم كيف يقود أولا، علينا أن نتعلم عن أنفسنا ونعرف عن أنفسنا ما يكفى لمساعدتنا على التحكم العقلانى فيها، فمعرفة نفسك هى أول المعرفة التي تستحق البحث، ومن ثم معرفة إلى أين تريد أن تذهب بها لتتعلم عن الطريق الذى تريد أن تأخذها إليه، ثم معرفة أيسر السبل للوصول بها إلى طريقها.
فالعقل بالنسبة للنفس الإنسانية هو الوقود والمحرك والداعم لكل ما تسعى وتصبوا إليه.
ولذلك فإن النفس الإنسانية غير العاقلة لاتستطيع حماية نفسها ولا درأ الأذى عنها، وتحتاج إلى من هو عاقل حتى يقوم بحمايتها، وهو ما يطلق عليه الوصاية فى القوانين فنبحث قانونًا عمّن يكون وصيًا من العقلاء على تلك النفس التى تستدعي شفقتنا وتعجز عن مواجهة تحديات الحياة وتجاربها. وكذلك ما نفعله لأنفسنا حين لا نعطي العقل حقة فى التحكم بالنفس والرجوع له كحاكم على جميع قوى النفس، وقتها نحتاج لوصيّ عاقل عليها لأننا نعجز عن المواجهة الحقيقية بقوة، طالما تركنا الحكم للمشاعر أو الشهوات دون الرجوع إلى العقل الحاكم، والذى يمثل الحاكم الأعدل ووقود النفس الإنسانية الأمثل.
فالعقل نبراس لنا فى الطريق المظلمة وسلاح فتاك فى حرب المبادئ والأهداف والقيم هو معقل الأفكار والمبادئ وهو سيد القوى المحركة للنفس الإنسانية كافة.
هذا هو سلاحنا الذى لا يهزم و درعنا الحصين الذى لا يقهر وراعى مشاعرنا الحكيم وحامينا الهمام المغوار الرشيد.
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.