مقالاتفن وأدب - مقالات

“الحلم والسواد القاطن هنا وهناك”

أيتها الرمال امتزج لونك بهالات السواد ، أخذت أبحث عن زرقاء اللون فلم أجدها، أخذت أبحث عن ذهبية اللون فلم أجدها، فبحثت وبحثت وبحثت، فلم أجد إلا سوادا، سواد في عقول القلوب، سواد في قلوب العقول.

فسألت السواد: _ لماذا تقطن هنا وهناك؟

فأجابني: _لم أسكن هنا بإرادتي.

فسألته متعجبا: _بإرادة من؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فقال لي متغطرسا: _بإرادة القاطنين هنا وهناك؟

فسألته: _ماذا رأيت عندما جئت إلى هنا؟

قال: _كان هنا النور، كانت هنا الطهارة، كان هنا الصفاء، كان هنا النقاء، كانت هنا زرقاء اللون، كانت هنا ذهبية اللون، كانت هنا طهارة القلوب، كانت هنا رجاحة العقول، كانت هنا لؤلؤة الفردوس، فيا ليتني لم أحضر، وأحول النقاء إلى سواد، يا ليتني لم أحضر لأجعل كآبتي تحل هنا وهناك.

فسألته: _لما لا تغادر ديارنا؟

فقال: _حاولت كثيرا، حاولت مرارا وتكرارا، وفي كل مرة أغادر فيها يتم استدعائي، لقد تمنيت الفناء في حضور ذلك النور، وتمنيت البقاء في حضور تلك الطهارة، بل أخذت أحلم بهما وأحلم بتحقيقهما، فقد حاولت الانتحار وإن كان من مفارقات وجودي،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ولكن وجدت في كل محاولة انتحار منقذا ينقذني ويرعاني رعاية لم أجد مثيلها في حياتي، فما عساي أن أفعل؟! ماذا عساي أن أفعل وفي كل يوم يزداد سوادي على سوادي؟ فرغم كون السواد أحد سماتي، فلا تنفر مني حتى وإن أصبحت ظلاما في ظلام لأن هذا ليس بيدي.

فقلت له: _لا تحزن أيها السواد فقريبا سيحل الغيث الذي معه يزول سوادك من قلوبنا وعقولنا، الذي معه ستتلألأ ذهبية اللون مع الزرقاوية، وسيحل النور الأخضر كرباط يربط العقول والقلوب، عندئذ ستشرف شمس الغد لتضيء وتنير، وتصبح علاقتهم بسوادك علاقة العدم المحض بالوجود الفعلي.

قد لا أقابلك بعد اليوم أيها السواد، ولكني سأتذكرك دائما، سأتذكر تجربتك في وجودنا لتكون حكاية تُحكى لأحفادنا، أحفادنا الذين لم تراهم ورؤيتك لهم ستكون رؤية النائم لأحلامه، فتلك الأحلام التي سيسطرونها في تاريخهم.

فسمعت كركرة منه! أيقظتني من حلمي الجميل الذي كنت أسطر فيه تاريخ طهارة القلب.

اقرأ أيضاً:

روح الحياة

اضغط على الاعلان لو أعجبك

رغم الألم نبث الأمل

تخاريف صيف

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

د. غلاب عليو حمادة الأبنودي

مدرس اللاهوت والفلسفة في العصور الوسطى ، قسم الفلسفة كلية الآداب جامعة سوهاج

مقالات ذات صلة