علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

إوعى ودنك يا جميل

فيه مثل شعبي جميل بيقول: “تعرف فلان؟ أيوه أعرفه، طب عاشرته؟ لا معاشرتوش! يبقى ما تعرفوش!”.

مثل شعبي معبر جدًا كتير بنسمعه وبنردده، بس كتير مننا ما وقفش قدامه بالتفكير والتحليل والتدقيق.

عشان كده لازم نفهم إن فلسفة التعامل مع الناس إللي ما نعرفهاش “فلسفة مغلوطة” في كتير من الأوقات، إن ما كانش في كل الأوقات فعلًا!

عاوز أقنعك بكلامي ده بشواهد من الواقع، وعشان كده خد عندك يا سيدي:

ممكن تكون إنسان في حالك وعايش حياتك كافي غيرك شرك، وعايش مستقر والحمد لله، فجأة تلاقي حد أهبل مختل عقليًا راسم صورة ليك استقرت في عرف الناس إللي ما تعرفك أصلًا إنك “مش تمام”، لمجرد إن حد حاقد عليك وبيكرهك صورك للناس شيطان، مش كده وبس ده كمان حطك في مليون قصة مشبوهة، القاسم المشترك فيها إنك إنسان وحش وسيئ السمعة والقرب منك خطر، حتى أنت نفسك بدأت تحس بده فعلًا في خوف الناس منك وهروبهم من وجود حضرتك، وتقعد يا عيني محتار تضرب أخماس في أسداس وتقول: الناس دي مالها بتعاملني كده بتحفظ وتهرب مني أول ما تشوفني؟ وأنت يا بطل متعرفش أنك محور حودايت ألف ليلة وليلة منيلة بستين نيلة فوق دماغك لمجرد إن واحد “مريض نفسيًا” شوه سمعتك ورسخ في أذهان الناس صورة ثابتة عنك إنك مشبوه وفاسد ومنحرف وانتهازي و و و إلخ.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كمان ممكن تكون إنسان “ساذج أوي” وطيب أوي وعلى نياتك، وعايش مع ناس مش تمام استغلوا طيبة قلبك، وصوروك عبيط وأهبل وطيب وسلبي ومحدش يعتمد عليك في أي حاجة، وتلاقيك في عيون الناس ولا حاجة، وتسأل نفسك: هيا الناس بتعاملني باستهتار كده ليه؟ وأنت يا عيني مش عارف صورتك اترسخت في أذهانهم إزاي!

وممكن تكون إنسان “مثالي جدًا” ومحترم وبتاع ربنا في كل حاجة، تلاقي واحد ابن حلال من إياهم مصورك شرير متزمت شرس قفل، مفيش في قلبك رحمة ولا عندك ذرة إحساس واحدة بالناس إللي حواليك، فتلاقي الكل مستتقل دمك وتاعبه رخامتك، والكل شايفك راجل حنبلي مزودها حبتين تلاتة دون مبرر، لمجرد سمعة سيئة بكلمة لزقها فيك المريض النفسي إياه!

مع كل ده فيه قاسم واحد مشترك، إن الناس شافتك بودانها واترسخت ملامح شخصيتك من كلام الحاقد المريض نفسيًا عنك، وللأسف مهما حاولت تغير الصورة دي مش هتقدر، لأننا للأسف بنصدق كل حاجة وحشة وبنبروزها في ألف برواز قذر، وأي حاجة حلوة بنتجاهلها ومش بنحاول نفهم بجد عشان الوحش سريع الانتشار!

عشان كده لازم تعرف إنك مطلوب منك تفرق بين تصورك لغيرك بودانك وتصورك لغيرك بعقلك وتعاملاتك وفهمك ويقينك وقناعتك.

لما ترسم شخصية لحد بودانك لازم تعرف إنك إنسان “مسلوب الإرادة”، مفيش عندك ذرة واحدة من المسؤولية والعدالة والحيادية، لأنك للأسف أسير فكر غيرك وأسير قرار غيرك وده ذل عمري ما أرضاه لحضرتك.

لما ترسم صورة لإنسان بعقلك وتعاملاتك معاه، وتوصل لقناعة أنت مؤمن بيها عن يقين راسخ وثابت جواك، أنت كده إنسان “محترم” وحر وصاحب رأي، وده إللي فعلًا أتمناه لك!

في النهاية

“ياما ظلمنا ناس شوفناهم بودانا وظلمناهم بلسانا، وافترينا عليهم بالباطل إللي سمعناه عليهم من مرضى نفسيين، ورددناه للأسف من دون وعي، عشان سلمنا ودانا لغيرنا ولغينا عقولنا إللي ربنا خلقها لينا عشان نميز ونفهم ونكون رأي حر”.

“أوعى تسلم ودانك لغيرك، وأوعى تجري ورا إنك تردد كلام غيرك، قرب وافهم وناقش وواجه واوصل لحقيقة الناس بنفسك، عشان تكون فعلًا “إنسان” بتقدر معنى الإنسانية جواك وبتحترمها، وبتحترم في نفس الوقت قراراتك وتعاملاتك وأحكامك على غيرك في كل أمور حياتك”.

“تعلم أن تكون نفسك ولا تكن غيرك، وامتطِ جواد عقلك لتصل إلى الحقيقة واثقًا، ولا تكن كالكسيح يرجو الهرولة ولا يستطيع إليها سبيلًا، فيغدو سريعًا بأقدام غيره”.

وعشان كده: إوعى ترسم ليا صورة بودانك يا جميل.

اقرأ أيضاً: 

الإنسان والحكم الظنى وأثره في حياتنا

أنصحك أن لا تصدق هذا التقييم

هومي بابا والقراءة النفسية بين الأنا والآخر

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د/ محمد جمعة

أستاذ أصول التربية ووكيل كلية التربية جامعة دمياط لشئون التعليم والطلاب