مقالات

حِكمة الصوم

الصوم ثقافة روحية قديمة يختلف وفقًا للشعوب، وللغرض من القيام به من طبيعته ووقته.

عند اليونان والرومان وقدماء المصريين وفي الصين القديمة ما يدل على تلك العادة، التي ارتقت لتكون قربانًا أو طلبًا للنصرة عندما يشتد وطيس المعارك في ميادين القتال، وقد تكون الأيام متصلة أو متفرقة، وأحيانًا تصحبه جلسات تأمّل في النفس والكون.

الحكمة من الصيام

الصوم كان مشرّعًا في الأمم السابقة، فشُرِّع عند اليهود والنصارى ثم الإسلام خاتم الرسالات، والغرض من الصوم حدوث التقوى، وأن يشعر الإنسان بغيره من المحتاجين.

صوم شهر رمضان من أركان الإسلام الخمسة، الذي يعد ترويضًا للنفس وتهذيبًا لها، وينقيها من براثن الآثام والمعاصي والوقوع في المحظورات، فهو الشهر الذي أُنزل فيه القرآن هداية ومنهاجًا.

الصوم يعني الكف عن الطعام والشراب والجماع وسائر المفطرات من وقت الفجر إلى غروب الشمس، كما يُطلق الصوم أحيانًا على الإمساك عن الكلام لغرض ما.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الصيام فرض على القادر الذي يستطيعه، وأما الأطفال والمرضى وكبار السن فيعفيهم الإسلام من مشقة الصوم، كما أن الصوم إما أن يكون فرضًا مثل صيام رمضان، أو نفلًا مثل الاثنين والخميس والأيام البيض.

اقرأ أيضاً: رمضان في كهف أفلاطون

فوائد الصوم

من فوائد الصوم أنه والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، ويجازي به الله الخير الوفير الذي لا حد له، وفيه شعور بالرحمة والشفقة تجاه الفقير، وبالصوم تُكفَّر الذنوب، كما أنه سبب في استجابة الدعاء، وهو كذلك وقاية لصاحبه فلا يرفث ولا يصخب أو يؤذي أحدًا، وبذلك يساعد في تهذيب النفس وتدريبها على السمو بالأخلاق والارتقاء والترفّع عن الدنايا والوقوع في البلايا.

الصيام في الكونفوشيوسية

الحكمة من الصيامنلاحظ تقاربًا كبيرًا بين الصوم وتناول الطعام المُباح عند العرب المسلمين والحضارة الصينية القديمة، فنأخذ مثالًا على تلك الطقوس التي كان يمارسها كونفوشيوس في حياته، التي استمدها من دراسة الكتب القديمة.

لقد سأل ين هوي، تلميذ كونفشيوس المحبب الحكيم قائلًا: “قل لي ما صوم القلب؟”، فأجاب: “إن الهدف من الصوم الوحدة الداخلية، وهذا يعني السمع، لكن ليس من الأذن، السمع، لكن ليس مع الفهم، السمع بالروح، بكيانك كله. جلسة الاستماع التي ليست سوى بالآذان شيء، والسمع بالفهم شيء آخر. الصوم يفرغ القلب من الهموم ويحرر من القيود والانشغال. صوم القلب يولد الوحدة والحرية”.

هنا نلقي نظرة على بعض عادات المعلم الفيلسوف كونفوشيوس في تناوله للطعام وكلامه عنه، فإذا كان في قريته كان صامتًا مخلصًا كأنه عَييّ، وإذا كان في الهيكل الأميري أو الديوان الرسمي تكلم في جميع الأمور بفهم ودقة وعناية، وكان إذا صام لبس ثيابًا من الكتّان نظيفة بهية وغيّر طعامه ومجلسه في الغرفة، وكان لا يكره أن يقشّر الأرز قشرًا جيدًا، ولا يكره أن يهرم اللحم أي يُقطّع قِطعًا صغيرة، ولا يتناول الأرز الذي أصابته الحرارة والرطوبة فاختمر.

كان لا يأكل السمك الذي تعفّن ولا اللحم الخام، ولا الطعام الذي تغيّر لونه أو خبثت رائحته أو لم يُحكم طبخه بعدم النُضج، ولا يأكل الفاكهة التي ليست في أوانها أي في بواكيرها، ولا يتكلم في حال الأكل.

غاية الصيام المنشودة

إن آداب الطعام بتوقيره والمحافظة عليه على اعتبار أنه نِعْمَة نُقدّرها أمر طبيعي، ويعمل على دوامه، واحترام الصيام والقيام بواجباته حق القيام يقتضي أن يكون الصائم وقورًا يمتلك روحانية وأخلاقًا جيدة، فالصوم يساعد على ذلك، فهو فرصة للتدريب والتعود على تهذيب النفس والتحلّي بمكارم الأخلاق وحميد السجايا.

إننا إذا أخذنا من كل حدث دلالته، ومن كل عادة مؤداها، ومن كل عبادة غايتها، هنا، وهنا فقط ،نكون قد حققنا ما نمارسه بفهم ووعي وإخلاص، فمن الحماقة والجهل أن يمارس الإنسان عادة أو عبادة دون أن يعرف الغرض منها، فالأسباب تؤدي إلى النتائج، والبدايات الصحيحة تؤدي إلى نهايات مُرضية مقبولة.

مقالات ذات صلة:

حقيقة صوم رمضان بين المفكرين والفلاسفة

أنا وأنتم ورمضان … حوار القلب

هل كونفوشيوس نبي؟

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر