الحضارة الإيكلوجية
الإنسان والبيئة في صراع دائم منذ الأزل، فيعتدي على بيئته تارة ويزيل جمالها تارة ويضيف الملوثات والسموم تارة أخرى.
والإنسان البدائي عرف قيمة المحيط الذي يلفّه والمُناخ الذي يكتنفه، فتماشى وتوافق معهم لتبادل المنفعة والعطاء المتجدد.
والأصل أن يتصالح المرء مع بيئته ويتناغم معها بالمحافظة عليها وتزيينها والبعد عن فعل كل شيء يضرها أو يفسدها، يظهر هذا في الثقافات القديمة كالمصرية والصينية، بأخذ آليات ووضع خطط ودعوات صادقة عملية بعدم المساس بها والانسجام معها.
ذكر مثل هذا الدكتور العبقري سليم حسن _عميد الأثريين المصريين_ عن بعض تعاليم الفراعنة الهادفة في النواحي المختلفة في كتابه الأدب المصري القديم فقال: “لا تتعدى على حرثٍ آخر، وخير لك أن تكون مستقيمًا بالنسبة له (الحرث)، ازرع الحقول حتى يمكنك أن تجد ما تحتاج إليه، وتجني خُبزك من حرثك”، وما فيلم المومياء للمخرج الرائع شادي عبد السلام الذي يبث روح الوطنية وعدم سرقة التراث والحفاظ على مُقدّرات الدولة وما تركه الأسلاف عنا ببعيد.
الصين وعدم السطو على البيئة
وننتقل إلى الشاطىء الآخر إلى دولة الصين وثقافتها العريقة فنضرب مثالًا حيًا كما جاء في كتاب (يي تشو شو)، أو تاريخ زو المفقود الذي تم تدوينه في أسرة (تشو الغربية، 1046- 771 ق.م)،
والذي جاء فيه: “لا تجلبوا الفؤوس إلى الجبال في الربيع كي تتركوا الأشجار تنمو، ولا تلقوا بشباك الصيد في الأنهار في الصيف كي تتركوا السمك والسلطعون يترعرع”، إنها ثقافة البقاء والتعايش وعدم السطو على البيئة وإفسادها.
ويلفتنا حكيم الصين كونفوشيوس إلى ناحية أخرى مهمة من الآداب والإحسان حتى في الذّبح والتعامل مع النعم المبثوثة في البيئة، فكان يصيد السمك بالشِصّ (أي بالصِنّارة) لا بالشبكة، والمقصود حتى لا يصيد الكثير، ويصيد الطير بالسهام إذا طار في الجوّ ولا يصيدُه إذا بات في عشّه، ويعني هذا أنّ الطير يكون آمنًا مطمئنًا، إنها الإنسانية في أعلى مراتبها والشفقة في أسمى معانيها.
إنّ كل ما يحدث في الكون من صُنع الإنسان وما قدمته يداه، ثم بعد أن يشعر بالخطر متأخرًا _كالمريض الذي يترك نفسه ويُهملها إلى أن يقترب من الموت_ هنا وهنا فقط يقف وقفة حاسمة مع نفسه والبحث والتنقيب عن العلاج المناسب والناجع.
الخطة الشاملة لإصلاح نظام الحضارة الإيكلوجية
اتجه العالم في العصر الحديث إلى عقد مؤتمرات وندوات للحفاظ على البيئة والشروع في التقارب والسباق ووضع توصيات حاسمة مُلزمة للجميع، باستخدام أعلى مستوى من القوة السياسية لتعزيز التعاون الدولي في المحافظة على التنوع البيولوجي في فترات متلاحقة وبصفة دورية.
وللتأكيد على أهمية المصير المشترك للعالم وخطورة قضية المناخ، تم انعقاد الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ بمدينة غلاسكو في اسكتلندا في الفترة من 31 أكتوبر إلى 12 نوفمبر 2021.
وكعادة الصين لأنها تعتبر من أكثر البلدان في التنوع البيولوجي، ومن الناحية السكانية كذلك، فإنها تواصل المبادأة بتقديم الحلول، وكما تُطلق دائمًا تقاسم العيش المشترك للبشرية، فأطلقت الخطة الشاملة لإصلاح نظام الحضارة الإيكلوجية، وتعزيز قوة حماية التنوع البيولوجي وتكثيف الغطاء الأخضر،
والعمل بكل جديّة على الحد من الفقر وبالتالي التنمية المنسقة لحماية التنوع البيولوجي، وتكوين أجواء صالحة لفتح المجالات للمشاركة المجتمعية، كوقوف القطاع الخاص جنبًا إلى جنب مع الحكومي، ودخول الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني والمشاركة الشعبية.
ويؤكد عقد الاجتماع الخامس عشر لمؤتمر الأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي في أكتوبر 2021م، في مدينة كونمينغ بمقاطعة يونان الصينية، على ضرورة التحوّل الجذري والاهتمام بنظم الغذاء والزراعة للحفاظ على التنوع البيولوجي تحت مظلة منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة.
إنّ العالم يتوجّب عليه التآزر ببذل المزيد من الجهود للحفاظ على كوكبه بالإعمار والبناء وزيادة المساحات الخضراء كالتشجير، والحد من عوادم المركبات، ووضع حلول لنفايات المصانع، والعمل على تقليل انبعاث ثاني أكسيد الكربون، والحياد الكربوني، والبعد عن كل ما يُكدّره من صناعات مُهلكة، وتعدّي على المناخ والبيئة، والحروب التي لا طائل من ورائها سوى الدمار والهلاك.
اقرأ أيضاً:
الأبعاد الجمالية لأخلاقيات البيئة
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا