إصداراتمقالات

الحضارة الإسلامية.. بين البديل الأمثل والبديل الأوقع

قد يتعجب البعض من عنوان المقال….الحضارة الإسلامية ؟؟!!! وهل مازال هناك شيئًا يسمى الحضارة الإسلامية ؟ ما هي الحضارة الإسلامية ؟ ولماذا لا نشعر بأي من ملامح هذه الحضارة طالما أنها موجودة؟ إنه لمن المؤسف أننا لا نعرف ماهية وأهمية الحضارة الإسلامية في عصرنا هذا. ويجب هنا أن نتساءل عن سبب هذا.

إن الدين الإسلامي في حقيقته ليس فقط منهج عبادي؛ حيث ينظم علاقات الإنسان مع ربه فقط. ولكنه منهج إنساني شامل ينظم علاقات الإنسان مع ربه ونفسه والمجتمع من حوله بل والكون أجمع. ولكن غالبية التجارب التي أخذت على عاتقها الإصلاح الإنساني وفق المنهج الإسلامي لم تحقق النجاح الذي كان متوقعا. ونحن نعلم أنه من الخطأ أن نحكم على المنهج من النتائج. فلا يقول مغرض أو جاهل أنه بما أن المنهج الإسلامي لم يحقق نجاحًا إذًا فالمنهج فاشل. لأن الرد على كلامه سهل وهو أولًا أن التعميم في هذا الأمر خاطئ وأخيرًا أن الخطأ ليس شرطًا في المنهج ولكنه قد يكون في الفهم أوالتطبيق لهذا المنهج.

و تتركز وظيفة فهمنا للمنهج في تكوين التصور المثالي لحل المشاكل الإنسانية. هذا الحل المثالي نظريًا في حقيقته إلى أن يتم تطبيقه و إخراجه للواقع بالصورة المناسبة. وهنا يأتي دور التطبيق من حيث خلق الكوادر والهيئات وإعدادها الإعداد المناسب لتستطيع تحويل هذا الحل المثالي لحل واقعي بأقل فوارق ممكنة.

يستطيع قطعًا منهجنا الإسلامي أن يخرج لنا مشروعًا حضاريًا شاملًا يؤدي بنا للخير والسعادة الإنسانية والعدالة الاجتماعية بكافة صورها (المادية والقانونية والدينية). بل إن هذه هي الغاية الحقيقية من الدين الإسلامي كما وضحنا. ولكن تفسيراتنا الخاطئة للنصوص وإهمالنا لدراسة تاريخنا الحضاري وفلسفتنا الإسلامية وركوننا للتفسيرات الفقهية والعقائدية التي تفرض علينا من هذه القبلة الفقهية الزائفة أو تلك وتمسكنا بالأحكام المسبقة عن بعض المفكرين و الأفكار واستسلامنا لبعض الأمراض الفكرية كالتعميم و الإنهزامية و الثنائية و التعصب المذهبي والديني والفكري وكسلنا عن الإجتهاد في فهم الغاية الحقيقية من وجود الإنسان هو ما يمنعنا من إدراك القوة الحقيقية التي بين أيدينا والتي أنعم الله بها علينا.

المطلوب من مجتمعنا أن ينقح وينتخب أفكاره التي يريد أن يبني عليها أسس حضارته ومستقبله وفق منهجنا الإسلامي الرشيد. هذا التنقيح ينبغي أن يكون مدروس وعقلاني لا عشوائي استحساني. فإذا قلنا أننا سنعتمد هذا القانون أو تلك الفكرة فيجب أن يكون قرارنا هذا مؤيد قدر الإمكان بالدليل والبرهان الكافي على صلاحية وصحة هذا القرار. كل هذا المجهود الكبير في التنظير لمستقبلنا يجب أن تقوم به العقول المستنيرة والمفكرة في المجتمع. فتكون صرخة العقل التي توقظ المجتمع من غفلته الدنيوية التي دمرته. هذا العمل العقلي سيطرح مشروع تنموي حضاري لمجتمعنا يناسب تاريخه وحاضره ويُكون له رؤية مستقبلية شاملة تنير له الطريق المظلم نحو الغد الغامض.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هذا هو ما يسمى بالبديل الأمثل أو البديل المثالي. ولن نستطيع تحقيق هذه المدينة الفاضلة كما سماها الفلاسفة أو دولة العدل كما سماها الفقهاء إلا بسواعد أبناء هذا المجتمع. ولا خير في عمل بلا علم. وعليه تبدأ النخبة الفكرية التي طرحت ونظرت للمشروع الحضاري -البديل الأمثل- بشرحه وتبسيطه لعامة المجتمع لتكوين الأيديولوجيا السليمة لديهم عن ما يجب فعله لتحقيق التقدم. ثم تنطلق النخبة مؤيدة بدعم المجتمع الطامح والشعب المستنير نحو تحويل هذا البديل المثالي لبديل واقعي يطرح نفسه بقوة في ميادين السياسة والاقتصاد والتعليم. حينما يتحقق هذا المستوى من الإدراك الكلي للقضية الوطنية والنضالية نحو حق الشعوب المستضعفة في البديل الأمثل لهم ستنهار كل جدران الاستكبار والطاغوت أمام سيول الفكر والإرادة والإيمان المنبثقة من تلك الأرواح النبيلة والمقاومة للظلم والقهر. حينها لا يتبقى إلا إسقاط الظلم ولا يكون في إسقاطه ظلم للمجتمع لأن قبل إسقاطه فكرنا في بديلًا فكريًا مثاليًا له يحل محله.

 

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

حسن مصطفى

مدرس مساعد في كلية الهندسة/جامعة الإسكندرية

كاتب حر

باحث في علوم المنطق والتفكير العلمي بمركز”بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث”

صدر له كتاب: تعرف على المنطق الرياضي

حاصل على دورة في مبادئ الاقتصاد الجزئي، جامعة إلينوي.