مقالاتقضايا شبابية - مقالات

الحرية المسؤولة

رؤية نقدية لواقعنا المعيش

الناظر لهذا العنوان يظن للوهلة الأولى أنني سأتناول هذا الموضوع وأعرضه عرضا فلسفيا بناء على تخصصنا وقراءاتنا ورؤانا الفلسفية، لكن سنترك الفلسفة قليلا وهي العزيزة عليّ ولا أحب أن أتركها أبدا، لكن في هذا المقام سيكون خطابنا موجه للجميع، لن نتناول الإشكالية من وجهة نظر المعتزلة والإنسان حر وخالق لأفعاله، ولا الأشاعرة والماتريدية أن الله خالق للأفعال العبد كاسبها، ولا الجبرية الذين قالوا بالجبر وأنه ليس ثمة حرية ،

ولا رؤية فلاسفة الإسلام ولا حتى فلاسفة الوجودية ومنهم سارتر الذي قال أن الإنسان حر ولكن حريته لا بد أن يتلمسها في حرية الآخرين، بمعنى أن حريته إذا تعارضت مع حرية الآخرين فهو بذلك ليس حرا وإنما سينقاد بذلك إلى العبث والفوضوية التي تقود إلى بلاءات كثيرة.

تعالوا أعزكم الله ننظر بعين المبصر والمستبصر والبصير إلى واقعنا الذي نحياه، قبل ذلك لا بد أن ننوه إلى أن الله تعالى قد كفل لك حريتك، حرية العبادة والاعتقاد (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)) الإنسان، (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) الكهف، (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ) فصلت،

وحرية الإرادة تجعلنا نرفض ما ذهب إليه بعض الصوفية من أن إرادة الإنسان مرتبطة بإرادة الله فالإنسان في يد الله كالميت في يد غاسله، ولو كان ذلك كذلك لانتفى التكليف ولانتفى عرض الأمانة (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)) الأحزاب، الأمانة يا سادة أمانة التكليف أمانة المسؤولية.

أنا حر ما لم أضر

كثيرا ما نسمع هذا اللفظ الغريب علينا وعلى قيمنا ومبادئنا وعقائدنا أنا حرة/ أنا حر ما لم أضر، ألبس كما يتراءى لي وآكل وأشرب على هواي وأصادق من أشاء، وقد لا ترى الصورة واضحة قد تظن أنها واضحة وجلية لكن لا تراها كما ينبغي، لو بقليل من الوعي والإدراك قمنا بتحليل هذه العبارة أنا حر ما لم أضر، ما أدراك أنك لا تضر؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لماذا تؤذي الآخرين برؤية منظر تشمئز منه الأنفس؟ ما الجمال وأين الحرية أن ترتدي بنطالا مقطعا أو تقص شعرك بطريقة تؤذي الناظرين؟ أو ترفع صوت الكاسيت بصوت يؤذي جيرانك؟ وقد يكون هناك المرضى وكبار السن وطلاب وتلاميذ يذاكرون، ما الحرية في أن يقف الشباب وما هم بشباب على قوارع الطرقات يؤذون الناس ذهابا وإيابا ويلقون بالنظرات الخادشة لحياء النساء؟ هل هذه حرية؟

ما الحرية في أن يجلس الشباب في المواصلات العامة وتضع الفتاة رأسها على كتف زميلها؟ وما حجتها في ذلك وما حجته؟ حجتهم أننا أحرار! أو أن الله خلقنا أحرارا!

كلمة حق يراد بها باطل

وهي كلمة حق يراد بها باطل وأوظف توظيفا باطلا، هذه ليست حرية وإنما ملوخية (خلطابيطة)، بل الملوخية لها فائدة نستفيد منها، أما ما نراه يصير ملوخية حامضة تؤذينا إذا تعاطينها،

هكذا الحرية المشؤومة المزعومة إذا لم نوظفها التوظيف الصحيح ستصيبنا بالعطن والعفن وسنقع في براثن الرذيلة، ونشجع على الفوضوية والعبثية وننتقل نقلة أخرى، لا أظن أنها حضارية وإنما سنعود إلى الجاهلية الأولى وما قبلها، سنعود إلى البربرية والهمجية ونضرب بقيمنا ومبادئنا عرض الحائط، وهذه أفاعيل لا يرضى عنها أي دين سماوي منزل، وحتى لو تركنا الأديان واتجهنا إلى العقل ومقوماته وضوابطه أي عقل يقبل ذلك؟

وقد يقول البعض أن هذه الأشياء مباحة في أماكن أخرى من العالم، نقول هذا صحيح، ولكن القيم واحدة والمبادئ لا تتجزأ، يا سادة نحن نحب الحرية ولكن نحب واهب الحرية أكثر وواهب الحرية لا يرضى عن كل هذه الإباحية والفوضوية، وإنما يريد لنا عفة وفضيلة وحقا وخيرا وجمالا.

نحن نريد حرية مسؤولة لا تقوم على التقليد الأعمى والإمعية، لا نريد أن نكون تابعين ومقلدين وناقلين نرى فلانا يلبس نلبس مثله أو فلانة تلبس كاسية عارية تلبسين مثلها، لا والله هذه ليست حرية أيتها الأخت العزيزة والابنة الصالحة حياك الله، الحرية طهر وعفاف واستغناء عن كل هذه الموبقات.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضاً:

 هل الإنسان حر ومسئول عن أفعاله؟

ماذا يعني أن أكون حراً؟

عن الحرية و كيف أكون حرًا؟

أ. د. عادل خلف عبد العزيز

أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان