المعروف عن الحروب أن بها أسلحة وضحايا حرب..إلخ، ولكن هل تقتصر على السلاح فقط؟
كانت الحروب قديما قائمة على تجهيز الجيوش بالعدة والعتاد والتدريب والتجهيز النفسي والبدني للمحارب، وكانت الجيوش تسير بالأسابيع بل بالأشهر أحيانا لملاقاة العدو.
ثم تطورت فيما بعد تكنولوجيا الحروب وتصنيع الأسلحة فكل ما تحتاجه دولة لغزو دولة أخرى هو إرسال الطائرات والمركبات المحملة بالجنود لقصف مواقع العدو والنيل منه.
أسلحة الحروب الفكرية
وعلى جانب آخر من الحروب الميدانية في العصور السابقة نجد نوعا آخر من الحروب قد ظهر حديثا مع تقدم تكنولوجيا الاتصالات، هذا النوع من الحروب إنما هو بلا سيف ولا درع ولا صاروخ ولا مدفع، وهو لا يستهدف الأراضي ولا مقدرات عدوه المادية بقدر ما يستهدف جذب العقول عن طريق إدخال أفكار جديدة ونظرة مختلفة للحياة وأسلوب يومي للحياة وثقافة شعب بشكل مكثف وغرسها في أذهان شعب آخر لا ينتمي لهذا الفكر ولهذه الثقافة.
وهذا ما يسمى بـ”الغزو الفكري” فهو يستخدم قوى من نوع آخر قد يطلق عليها القوى الناعمة، ومن أهم الأسلحة التي تشكل هذه القوة على سبيل المثال وليس الحصر “الفن”.
سحر الفن الخادع
يلعب الفن وتحديدا السينما دورًا هامًا في تصوير نمط حياة وأسلوب تفكير في سياق درامي وبميزانيات ضخمة وبتصوير دقيق وبإخراج مذهل حتى يقع المتلقي في ظل انبهاره بكل تلك التكنولوجيا المتقدمة في إنتاج الأفلام فريسة وضحية في تصديق وحب بل والانجذاب لنمط حياة لا يمثله ولا يعبر عن نبض مجتمعه ولا عن ثقافته وأفكاره، وشيئا فشيئا ينسحب تدريجيًا من واقعه الفعلي ليدخل إلي عالم خيالي بأفكار مختلفة ومن ثم تبدأ هذه الأفكار بفرض نفسها على سلوكه فيتحول إلى إنسان مسخ بمعنى الكلمة، فلا هو محمل بفكر وثقافة وهوية مجتمعه ولا هو منتمٍ في الأصل للثقافة التي احتلت فكره.
واعذروني لهذا التوصيف فهذا هو أدق وصف لهذه الحالة المنسلخة من جلدها ومن بقايا حضارتها المنهزمة فكريًا نتيجة شدة القصف الخارجي وضعف الإمكانات الداخلية.
الحروب الفكرية وطمس الهوية
يرجع العامل الأساسي في التأثر بأفكار الغير إلى عدم وجود رؤية واضحة للواقع، كما يعتبر عدم وجود من يقوم بتعريف الهوية الثقافية للمجتمع ويدافع عنها كبير الأثر في التأثير على شبابنا وتنفيرهم من مجمل تراثنا الفكري، فقط العاقل الباحث في تفاصيل الأشياء وحقيقتها يدرك تمام الإدراك أن الغزو الفكري هو خطر على نفسه وعلى بقاء المجتمع وعلى التراث الفكري والحضاري.
ينبغي على كل فرد عاقل أن يدعم مجتمعه أولا بأن يدرك واقعه وتاريخه حتى يستطيع المضي في مستقبله، ثانيا السعي إلى توعية من حوله بمخاطر تلك الحرب الناعمة التي تتسلل كالسرطان داخل المجتمع لتفتته وتفتك به وتجعله كالخرسانة الجوفاء من الداخل فإذا ما تم تعريضها لهزة بسيطة صارت ركاما فوق أصحابها.
معاً نحو فن واعي
وإني كثيرا ما أتساءل أين نحن من هذه القوى؟
هذا سؤال كلما راودني ولّد بداخلي شعورا مليئا بالضيق والحزن من أثر التفريط في الجوانب الجمالية والإبداعية وعدم الاهتمام بها في تصوير موروثات حضارتنا ونتاجها الثقافي والفكري وتأثيره على العالم.
لذا فإنني أعتقد أن من واجبات هذه المرحلة إنشاء جيل جديد يحمل أصالة الحضارة ورسوخ الفكر بأعماقه ليخوض في مجالات الفن بأنواعها حتى يستطيع أن يقاوم الهجمات ثقافية ويضع العدو في موقف يتنازل فيه عن كبريائه وليعلم أن هناك من يقف أمام مخططاته فلربما ينقح أفكاره ويتأثر بما نقدمه له فيعود إلى رشده أو يقاوم في وجل من الشعور بقوتنا وأن نكون منافسا كفؤًا في خضم الصراع الفكري والثقافي.
في النهاية نوجز القول بأن جانبًا كبيرًا من المشكلة هو عدم القدرة على إبراز مواطن الجمال والقوة والشمول في شخصيتك ووجدانك المجتمعي بالتالي تنجذب لصورة بلهاء وضيعة للحياة في ثوب أنيق وجذاب فإذا ما أزيح الستار عن هذه البلاهة والوضاعة والتدني الخلقي بأسلحة من نفس النوع فلربما يكون نصرا على الصعيد الفكري يكون نواةً لبناء حضارة جديدة.
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.
.