قضايا شبابية - مقالاتمقالات

الحرب السيبرانية

من بداية التاريخ، البشر دايمًا كانوا متعودين على نوع معين ومألوف من الحروب، جيش بيحارب في جيش تاني زيه، وجنود وعساكر على الأرض سواء بالسيوف زي زمان، أو بالبنادق والمسدسات والمدفعية والطيران زي دلوقتي، وده كان الجيل القديم من الحروب اللي عفا عنه الزمن.

بس الجديد بقى، والأخطر بمراحل من كل اللي إحنا كنا نعرفه أو نتخيله، هو الهجمات السيبرانية والإلكترونية اللي ممكن تدمر البنية التحية والتكنولوجية لدولة كاملة، من غير ما حد يعرف مين اللي بيعملها، ولا موقعه فين، ودي صورة جديدة من الحرب تأثيراتها أخطر من كل الحروب التقليدية اللي نعرفها، وكمان أطرافها مجهولين ومحدش يعرفهم.

الحروب دي هي اللي بيسموها الحرب الإلكترونية أو السيبرانية، هات بقى كوباية شايك الحلوة والنعناع في إيدك، وتعالى أحكيلك هي إيه بالظبط!

ما هي الحرب السيبرانية؟

لو أنت كنت بتتابع أخبار الهجوم الروسي اللي بيحصل على أراضي أوكرانيا، فأكيد في الشهور اللي فاتت، لازم هتكون سمعت ولو مرة واحدة على الأقل عن مصطلح الحرب السيبرانية ده، وده عشان في وسط الحروب الحديثة بتاعت اليومين دول، في فرق خاصة من الجنود بتعمل عمليات خطيرة، تأثيراتها أخطر بمراحل من أي عمليات عسكرية.

تخيل إن الجنود اللي بنتكلم عنهم دول، مبيبقوش شايلين بنادق ولا راكبين دبابات، بس يقدروا بشوية ضغطات على زراير الكمبيوتر بتاعهم إنهم يمنعوا سرب طيارات كامل إنه يطلع من قواعده، أو يوقفوا سير دبابات في أرض المعركة، دول حتى يقدروا وهما قاعدين في مكاتبهم إنهم يوقفوا شبكات الطاقة والكهربا في أي دولة، أو حتى يفعلوا سلاح نووي!!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

سبب انتشار مصطلح الحرب السيبرانية

عشان نقدر نفهم بداية الحرب السيبرانية دي وإزاي الناس دول بيقدروا يعملوا كل ده، لازم نرجع بالتاريخ شوية لزمان، تحديدًا سنة 1983.

في السنة دي نزل فيلم في هوليوود اسمه War Games، الفيلم ده كان بيحكي عن ولد عبقري في تكنولوجيا الكمبيوتر، بيقدر إنه يخترق الجهاز الرئيسي بتاع الجيش الأمريكي، عشان يعمل أزمة عالمية كانت هتوصل لحرب عالمية تالتة، ووقتها الفيلم ده كان قالب الدنيا، وناس كتير كانت بتسأل هل اللي حصل في الفيلم ده ممكن يحصل في الواقع ولا لأ، خصوصًا إن الكمبيوترات مكانتش لسه موجودة ومنتشرة ما بين العامة زي زمان، ومكانش لسه في إنترنت زي ما بنشوفه دلوقتي.

بس بعدها، ومع بداية انتشار تكنولوجيا الاتصالات الحديثة في أواخر القرن اللي فات، وبداية القرن العشرين، بدأ الخطر ده يبقى واضح وموجود فعلًا، ومبقاش مجرد خيال، ويمكن ده اللي خلى مؤسسة راند الأميركية للأبحاث والتطوير (RAND Corporation) تعمل عنه دراسة في كتاب كامل سنة 1993، كان اسمه (الحرب السيبرانية قادمة)، وده كان سبب بداية انتشار مصطلح الحرب السيبرانية والإلكترونية ده.

في الدراسة دي كان الكلام اللي بيفترضوه وبيتنبأوا بيه هو إن ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات الحديثة هتسبب تغير وتطور خطير في طبيعة الصراعات المسلحة ما بين الدول مع بعضها، وحتى ما بين الأفراد، وإنها هتختفي بالتدريج مع الوقت، وهتبقى الاختراقات السيبرانية هي الصورة الجديدة الأخطر منها.

تعرف على: أنواع الحروب وعقلية المستعمر

متى ظهرت الحرب السيبرانية؟

الحرب السيبرانيةبرغم إن ناس كتير مكانوش متخيلين إن في حاجة زي كده ممكن تحصل، لكن اتفاجئوا كلهم لما تم بالفعل اختراق موقع وزارة الدفاع أو البنتاجون في أمريكا سنة 1997، واكتشفوا إن اللي عمل كده هما ولدين صغيرين سنهم مجابش 16 سنة، وكانوا بيتسابقوا مع بعض مين هيقدر يخترق الموقع أسرع من التاني!

من هنا بدأ الناس والحكومة نفسها تاخد الموضوع بجدية، وأسسوا فرق كاملة تابعة للجيش، وظيفتها هي إنها تكتشف الثغرات الأمنية اللي عندهم، وفي نفس السنة تعرضت أمريكا لهجمات ضخمة من روسيا استمرت كذا شهر وراح ضحيتها عدد كبير من الملفات السرية، ودي كانت البداية الفعلية للحرب السيبرانية دي.

الفرق بين الحرب الإلكترونية والحرب السيبرانية

بس عشان تقدر تفهم المفهوم الجديد للحروب ده، لازم تفرق بين حاجتين، الحرب السيبرانية والحرب الإلكترونية.

أهداف الحرب الإلكترونية

الحرب الإلكترونية دي يا سيدي هي حرب تخصصها وهدفها هو نشر الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة عشان يشوهوا خصومهم ويحبطوا الشعوب ويقللوا روحهم المعنوية، وممكن تحصل بأي وسيلة من وسائل التكنولوجيا، مش شرط الإنترنت بس، زي مثلًا اللي عملته أمريكا مع كوبا بمحطة إذاعة راديو ممولة من الحكومة الأمريكية، كانت بتنقل أخبار كاذبة لكوبا باللغة الإسبانية، عشان تضللهم وتزعزع استقرارهم.

نفس الكلام حصل عندنا في مصر في أخبار حرب 73، لما العدو الإسرائيلي كان وما زال لحد دلوقتي بيحاول ينشر معلومات مضللة وكاذبة إن مصر منتصرتش في الحرب، وإنهم هما اللي انتصروا علينا، واتكلمنا عن ده قبل كده في فيديو على كايرو تايم.

لحد دلوقتي الحرب الإلكترونية دي موجودة، في صورة اللجان الإلكترونية اللي منتشرة على السوشيال ميديا ومواقع الأخبار، اللي بتكتب كومنتات مضللة وبتنشر بوستات فيها معلومات مغلوطة عشان تضلل الناس، وبتحصل في كل حتة من العالم من أطراف مختلفة ولأسباب مختلفة.

كامبريدج أناليتكا

أشهر مثال عليها هو اللي حصل في أمريكا أيام انتخابات دونالد ترامب وهيلاري كلينتون، لما الهاكرز الروس قدروا يخترقوا سيرفرات فيسبوك ويسربوا معلومات كتيرة وخطيرة جدًا كانت السبب في فوز دونالد ترامب في الانتخابات سنة 2016، والفضيحة دي هي السبب الرئيسي لسمعة فيسبوك السيئة دلوقتي في مجال حماية البيانات، وبسببها تم استجواب مارك زوكربيرج مؤسس المنصة ورئيس مجلس إدارتها قدام الكونجرس، بسبب القضية اللي اتعرفت إعلاميًا باسم فضيحة (كامبريدج أناليتكا Cambridge Analytica).

أهداف الحرب السيبرانية

الحرب السيبرانيةالحرب السيبرانية بقى هي الصورة الأخطر من الحروب الحديثة دي، وده عشان هي أهدافها مش مجرد نشر معلومات غلط، لأ دي بتهاجم المواقع الحكومية والعسكرية الحساسة، وبتسرق منهم معلومات مخابراتية سرية، أو حتى ممكن في بعض الحالات تتسبب في وقف شبكات الطاقة والكهربا أو تضليل قوات الجيش وتشتيتهم، ودي بقى الأمثلة عليها كتيرة وخطيرة.

الحرب السيبرانية بين الدول

عندك مثلًا اللي حصل سنة 2007 لما روسيا عملت هجوم سيبراني من نوع (ديدوس DDos) على دولة أستونيا، تسبب في شل الحركة الإلكترونية في البلد كلها، وده كان سببه إن أستونيا كانت بتخطط لنقل تمثال تذكاري لجندي سوفييتي، وده ضايق الروس، ونفس الهجوم حصل السنة اللي بعدها في 2008 من روسيا بردو، بس المرة دي على دولة جورجيا.

كمان سنة 2010 تعاونت أمريكا وإسرائيل في إطلاق فيروس أو دودة إلكترونية خبيثة اسمها “ستوكسنت” (Stuxnet)، تعتبر من أكتر الفيروسات الإلكترونية تطور في العالم، وكان الهدف منها وقتها هو تدمير المنشآت النووية الإيرانية،بس أشهر مثال على الحرب السيبرانية بقى، هو اللي حصل سنة 2015 بعد لما روسيا استولت على شبه جزيرة القرم الأوكرانية، وعملت هجوم على شبكات ومرافق الطاقة في أوكرانيا، وتسببوا في قطع الكهرباء عن مئات الآلاف من الناس لفترة، وفضلوا مستمرين لحد ما الغزو السيبراني ده طال البنوك الأوكرانية والبنية التحتية للنقل والموانئ، والهجمات دي في وقتها كانت أول إعلان صريح في وش العالم كله بيقول إن المجال السيبراني بقى ساحة حرب رسميًا!

في خلال الشهور اللي فاتت، وفي وسط الغزو الروسي لأوكرانيا اللي حاصل دلوقتي، في هجمات سيبرانية بيعملها الجيش السيبراني الروسي على المواقع الحيوية الأوكرانية، وبتتسبب في مشاكل كبيرة للناس اللي عايشين هناك، اللي مبقوش عارفين يدخلوا على النت بسهولة ولا حتى يسحبوا فلوس من البنوك.

اقرأ أيضاً: الحرب الرمزية

الجيوش السيبرانية والإلكترونية في العالم

زي ما أنت شايف، فالجيش السيبراني الروسي اللي أعلنت روسيا عنه سنة 2017 ده هو من أكبر الجيوش السيبرانية في العالم، ومتطور وخطير جدًا، وييجي بعده الجيش الأزرق الصيني اللي تأسس سنة 2015، وكمان الجيش الإسرائيلي اللي فيه وحدات حرب إلكترونية، والجيش البريطاني اللي أعلن عن تأسيس جيش إلكتروني دفاعي، وطبعًا قبل كل دول عندك الجيش السيبراني الأمريكي اللي يعتبر الأقوى في العالم، بتعداد أفراد تقريبًا 9 آلاف شخص، وميزانية سنوية أكتر من 7 مليار دولار.

تخيل إن ممكن واحد قاعد على كمبيوتر في صالة بيتهم، يقدر يقطع عنك الكهربا والنت، ويقدر يدمر المواقع العسكرية في بلدك ويشلها، وحتى يعمل أضرار كارثية في مفاعلاتها النووية لو كان شاطر.

الوجه المخيف للتطور

الحرب السيبرانيةللأسف في العصر الحديث، ومع التطور الكبير في شبكات الاتصالات والإنترنت اللي خلى العالم أصغر وأقرب لبعضه كإنه قرية صغيرة، فالخصوصية والأمان اللي كنا متعودين عليه زمان قل، ومبقاش موجود، أنت مش في أمان مهما كان مكانك فين أو عايش إزاي، وده عشان القرب والبعد المكاني بتاعك أو موقعك في العالم مبقاش مهم، لأن حساباتك البنكية، ومصادر الطاقة ومحطات المياه وحتى المحطات النووية ومواقع الجيش العسكرية معرضة للاختراق في أي لحظة، ونتايج اختراقها هتكون كارثية.

الحرب السيبرانية دي هي حرب المستقبل، ونتايجها لو حصلت في أي وقت ممكن تبقى كارثة، عشان هي مش بس هتقف بس على الأفراد، لأ هي ممكن تدمر أنظمة عالمية، وتعمل كوارث نووية في كل مكان على الكوكب كله.

احكيلي أنت بقى عن صاحبك الهاكر، وقولي شايف مستقبل الحروب إزاي من وجهة نظرك!

مقالات ذات صلة:

تعمل إيه لو قولت لك أنك متراقب بشكل عمرك ما هتتصوره؟

الشائعات الإلكترونية وآثارها السلبية

الخلود الرقمي

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. محمود علام

كاتب روائي وباحث، وسيناريست