مقالات

إذابة الفواصل

عندما يعيش الناس دون حدود فاصلة بينهم أو ضوابط تحكمهم، فحتمًا ستطفو المشاكل على السطح، وتبدأ الشكايات والخلافات التي تصل أحيانًا إلى حدّ المقاطعات.

وما شُرعت الحدود إلا لوضع الضوابط وحفظ الحقوق والعدل، وذلك بعدم اقتراف المُحرّمات، أو التعدّي على حِمى ومحارِم الآخرين والأمر بالمحافظة عليها، ومن ثم العيش في أمان وسلام، ولهذا، فالذي يُغيّر علامات الأرض ليتعدّى على أرض غيره ويستولي عليها بغير وجه حق، ومَن يشتم والديه وينهرهما، ومَن يتعدّ حدوده في أي شأن من شؤون حياته فهو مكروه ومنبوذ، لأنه تخطّى الحواجز.

من هنا، يمكننا أن نجد في التعاليم القويمة السّوية الفصل بين الأولاد والبنات منذ الصغر بخاصة مع مشارف سِنّ البلوغ، لما لا يخفى على أحد من التغيرات في الصفات الجسمية والخصائص العمرية، يبدأ ذلك بالتفريق بينهم في الفراش والمدارس، وإذا حدث الاختلاط فيكون بضوابط ونظام، لمعرفة ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات.

في العصور المتأخرة تجرّأ الأولاد على الآباء بالألفاظ تارة، وبالمزاح الذي يكون أحيانًا غير مقبول تارة أخرى، نتيجة بث الأفلام والمسلسلات التي تُذيب الفوارق وتُزيّن كلمات وجُمل دخيلة لم تعهدها مجتمعاتنا من قبل.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

من الواضح الجليّ ما نراه من إذابة الفواصل بين بعض الأساتذة والطلاب لدرجة المزاح المفتوح، من تبادل الألفاظ النابية والتحايا بالسجائر وجلسات الأُنس، وكسر العين بما يتقاضاه المعلم من الدروس، رغم أن إعطاء المعلم للدروس الخصوصية لا عيب فيه، لعدم كفاية الراتب الشهري لشراء لوازم الحياة الضرورية ومجابهة متطلبات الحياة التي لا ترحم.

لم تترك ظاهرة الإذابة أيضًا الأديان بل تسلّلت إليها، فسمعنا منذ عِدة سنوات أصواتًا تنادي بــ”زمالة الأديان”، ومؤخرًا أطلقوا مُسمى “الدين الإبراهيمي”، وما هذه الظاهرة المقصودة إلا بداية للتشكيك وخلخة الاعتقاد وتمييع الدين، ولم يعلم هؤلاء أنّ الدين واحد وهو الإسلام الذي لا يقبل الله من الناس دينًا سواه، لكن الشرائع مختلفة، فقد جعل الله لكل أمة شِرْعَة ومنهاجًا، وهذه الأصوات ما خرجت من مخبئها إلا لعدم الفهم الصحيح الوسطي، أو تعمّد تجهيل الناس وإبعادهم عن الدين الحق.

تتضح ظاهرة الإذابة في إقحام المرأة في مجالات تتعارض وفِطرتها وما جُبلت عليه، كالزجّ بها في الرياضة التي تمارسها في غير أماكنها المخصصة لها، لتحفظ لها كرامتها، وتحوطها بعنايتها، فالرياضة مفيدة بلا شك بل ومطلوبة، لكن أن تظهر المرأة وهي ترتدي البكيني وتدخل في مسابقات ويراها العالَم بأسره، فهذه ليست رياضة، إنّ الدعوة لممارسة الرياضة ليس معناها أن تخلع المرأة عنها لباس الستر والحِشمة وبُرقع الحياء، فهذه أمور ترفضها الفطرة الإنسانية فضلًا عن الأديان السماوية، وكلها أفكار واردة وموجّهة من الغرب البعيد أصلًا عن الانضباط والتحكّم.

كما لاحظنا كذلك في الأزمان المتأخرة انصهار الأصدقاء وخاصة الجنسيْن المختلفيْن من الشباب والفتيات، فالصداقة المخلصة الصادقة لا ضير فيها، أما المزاح باليد أو السباب بالأب والأم، والكلام الخارج عن دائرة الحياء والنِكات الهابطة السافِلة، أوالجلسات الخاصة المغلقة، فكلها أمور خارج إطار الأدب والذوق، وينسحب هذا أيضًا على أماكن العمل ليُثبت المسكين أنه دنجوان عصره، ومقطّع السمكة وذيلها، مما ينتج عن ذلك المشكلات الاجتماعية والأسرية.

إن وضع الحدود والنظام للعلاقات من الأمور المهمة، ولا ينكرها إلا البعض المُنهزم داخليًا، لا يريد السير بضوابط وحزم، حتى يعرف كل طرف الحد الفاصل له ويتوقف عنده، ويحافظ كل شخص على المسافة التي بينه وبين غيره، فيعرف متى يتقدم، ومتى يتوقف، متى يتكلم ومتى يسكت، فهكذا تستمر العلاقة التي تسودها المودة والرحمة والاحترام والمحافظة على الحدود مع الآخرين.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مقالات ذات صلة:

إنهم يدعون لدينٍ جديد!

الحدود الإنسانية وكيف أن عدم الإلمام بها يأتي بأسوأ النتائج الحياتية؟

انتبهوا لبيوتكم وعلاقاتكم

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر

مقالات ذات صلة