هل هناك ثورة سلبية و أخرى إيجابية ؟ بالطبع! ما الفرق بينهما إذن؟!
الثورة السلبية هي ثورة تتركك في موقع شبيه بالمتفرّج في مباراة كرة القدم. أنت تهتف للفريق الذي تحب له أن يفوز، و تطلق صافرات الاستهجان عندما تلوح لخصمك فرصة خطرة. تطالب، ترجو، تعترض، تنعي… و تنتظر اللحظة السحرية، تنتظر أن يحقق آخرون السعادة لك.
هي ثورة تخرج أسوأ ما فيك و ما في الناس من حولك، يكون التركيز فيها على الهدم، فيقود ذلك لحالة:خسارة-خسارة أو في أفضل الأحوال لحالة: فوز-خسارة.
يكون فيها التحرك عاطفيا انفعاليا، أبعد ما يكون عن النظام، و تكون الرؤية غير واضحة و التوقعات غير واقعية، و التركيز منصبا على ما هو خارج دائرة التأثير مما يورث الشعور بالعجز و الارتياب في صدق الوعود المقدّمة لك و ضمان المكتسبات.
تكون الثورة ردّ فعل على مؤثر (أو موجّه) خارجي: ظلم، عدوان.. إلخ و لهذا تفقد عزمها بسهولة متى توارى هذا المؤثّر، تبرز فيها الشخصنة (أي اختزال سبب الشعور بالنقمة و الظلم في شخص أو مجموعة أشخاص أو دولة) و الشيطنة (رسم الآخر في صورة شرير عديم الرحمة و الضمير مستعد لفعل كل شيء لفرض إرادته) و الرغبة في الانتقام
النداءان الأعلى صوتا و الأكثر انتشارا فيها هما:
1. “نصيبي”: حقي، مرتّبي، صلاحياتي… و هو نداء غالبا ما يستدعي عند الآخرين ردة فعل دفاعية خوفا على أنصبتهم، فهو نداء يوحي بالطمع أو الشعور بالحاجة- أي يخاف الآخرون من أن تنقص أنصبتهم بالمقدار الذي يجعلهم في موقع الشاكي المحتاج- و يثير التوتر الطبقي.
2. “لا لكذا”: و أصحاب “لا” في الحقيقية ليسوا أصحاب موقف متكامل، و هم مجرّد مجموعة ضغط تتّبع فكرا نقديّا جزئيا، و قد تنجح في إبراز مميزات و عيوب توجّه ما مساهمة في الوصول لصورة كاملة و حلّ، لكنها لا تمثّل حلا في حد ذاتها و لا تقدّم حلا يتناول كافة المتغيّرات ذات الصلة لأنها لا تنطلق من رؤية كليّة سليمة بداية. باختصار استشعار الضرر في اتّجاه معيّن لا يعني معرفة الاتّجاه الذي يحمل أقل الأضرار و أكبر المنافع
وصول حركات احتجاجية كبيرة لمطالبها عن طريق هذا الفعل السلبي يحفّر السلوك الاحتجاجي في كافة جوانب الحياة و عند أفراد آخرين و مناطق أخرى… مما يتسبب في انتشار الفوضى و تصدير الأزمات للجهات الإدارية للحصول على مكتسبات مستحقّة أو غير مستحقّة. و هو ما تم استدراج أوطاننا له. و الأسلوب يجب أن يقابل بالرفض و التهدئة لنفس السبب الذي يجب مقابلة محاولة فرض رأي المتسلّط على الناس بالرفض و التهدئة، لأنه محاولة فرض واقع بالقوة و هو ما لا يمكن التغاضي عنه حتى لو كان الهدف نبيلاً. تخيّل مظلوما يواجه ظالما و يتفقان على أن الأقدر على الحشد يكون الحكم لصالحه، أو من ينتصر في القتال يكون الحكم في صالحه!!
أما الثورة الإيجابية فهي ثورة تدفعك للتساؤل و التعلّم و تطوير ذاتك و بيئتك، فتدفعك من موقع المتفرج تدريجيا إلى موقع الفاعل. هي لا بد منطلقة من فكر نقدي يتميّز بالدقة و التأنّي وكثيرا ما تكون مسبوقة بثورة سلبية تم ترويضها بنجاح، فالحاجة أم الاختراع.
هي ثورة تحفّزك للبحث عن دوافع الآخرين و احتياجاتهم و فهم مواقفهم و آراءهم بناء عليها، و كذلك إخراج أفضل ما لدى كل منهم، و أنت في طريقك لصياغة حل عادل متّزن يحقق المكسب للجميع (فوز-فوز). يكون التحرك فيها محسوبا متأنيا، يبني على أرض صلبة من تماسك المنطق ودقة المعلومات، و يكون التركيز منصبا على إتقان إدارة ما في داخل دائرة التأثير تمهيدا لتوسعتها.
تكون الثورة نابعة من مؤثر داخلي و توجيه ذاتي، انطلاقا من مبادئ و رؤية معيّنة مواكبة لمتطلبات و علوم العصر و لهذا فإنها تتحرك نحو أهدافها بثبات و لا تنطلي عليها الخدع و أنصاف الحلول. تعتمد على توصيف موضوعي لمكامن الخلل و مرتكزات الفساد و تبتعد عن المبالغات في التوقعات أو المشاعر أو التوصيف
النداء الأعلى فيها يكون “العدل للجميع” و “وجود ما يكفي الجميع” و تعمل على تعظيم المشترك و تحييد الاختلافات لخلق بيئة عمل إيجابية. و تهدف لإشراك الجميع في الحلم ثم إدماجهم في مشروع جماعي
نجاح تحركات من هذا النوع هو انتصار حقيقي للإنسانية جمعاء، يؤسس لنظام جديد يستبدل النظام السابق محدثا توازنا بين توجّه الهدم و توجّه البناء، يحفّز السلوك بشكل حضاري و أخلاقي، و البعد عن الوصولية و الغش. وهذا النجاح يكون نواة طفرة حضارية و ثورة علمية.
فمن لها؟!!ا
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.