التنمر .. السلوك الذي يعبر عن شخصية صاحبه
هو ذلك السلوك الذي يتمثل في انتقاص من شأن الآخر، سواء من ناحية شكله أو من ناحية قدراته ومهاراته أو سلوكه… أي شيء بهدف تدمير ثقته بنفسه أمام نفسه وأمام الآخرين، إن المتنمر يلجأ لهذا السلوك لكي يثبت لنفسه وللآخرين من أقرانه أنه الأفضل!
نعم إن حب الظهور والحصول على استحسان الآخرين لهو أمر غريزي عند الإنسان، لكن كغيره من الغرائز يجب أن يتحكم فيه الإنسان ويضبطه بعقله وضميره.
ونلاحظ حب الظهور بشكل زائد بالتحديد عند الشباب المراهق الذي يلبس أحسن الثياب ويقوم بقصات شعر غريبة ويتجمل أمام الآخرين؛ كل ذلك من أجل الظهور بمظهر حسن، وأن ينال استحسان الناس وأن يصبح متميزاً، بل إني ألاحظ وأنا أراقب هذه التجمعات الشبابية أثناء نوبات انتشائهم ومزاحهم أنهم كثيرا ما يتنقصون من بعضهم ويسخرون من بعضهم؛ ليس إلا أن كل منهم يبحث عن التميز والأفضلية عن الآخرين!
إن هذه الظاهرة ليست جديدة على مجتمعاتنا، بل هي قديمة قدم الإنسان الأحمق غير العاقل الذي يقوم بالفعل قبل أن يفكر في هذا الفعل، وللأسف البعض في مجتمعاتنا يفعل قبل أن يفكر، ومن ثم فإن هذا السلوك غير غريب علينا، نحن نستحقه بامتياز؛ لذلك عندما قرأت قصة الفتاة السمراء التي سخر منها معلمها وطلب منها الوقوف أمام التلاميذ وأن تعرب جملة “بسملة فتاة سمراء” وأكمل أصحابها التنمر وقالوا لها “إنتى سودة وجاية من الصومال”! لتنهار الفتاة وتبكي طويلا… لم أستغرب هذا السلوك من المعلم وتلاميذه؛ فإنهم يعملون قبل أن يفكروا، هذه سمة مجتمعاتنا فلا غرابة في ذلك؛ لذا تعجبت من الضجة الإعلامية من هذا السلوك وإظهاره على أنه ظاهرة جديدة!
أنا ألاحظ مثل هذا التنمر بين الناس منذ أن تفتحت عيني على الدنيا! يتنمر الناس على بعضهم البعض بدعوى أن هذا مزاح، ولكن ما هو بمزاح وإنما كما نعلم هو محاولة للشعور بالأفضلية والتميز عن الآخرين، نرى ذلك السلوك في البيت الواحد بين الوالدين وأبنائهم، في المدارس، في أماكن العمل، في كل مكان… لأن هؤلاء يجمعهم أنهم يفعلون قبل أن يفكروا.
أنا قد عايشت موقفاً بنفسي عن قرب وتألمت له كثيرا وأنا أمشي فى حاجة لي، فقد رأيت مجموعة من العمال الصعايدة يجلسون في أمان الله وإذا بشاب أحمق يخرج من توكتوك ويقول بصوت عالٍ أمام الجميع للعمال الصعايدة “التلاتة منكم بقرش”.
هذا حالنا بالمقارنة بحال المجتمعات العاقلة التي نتمنى نشأتها، والتي يغلب على أفرادها التعقل قبل القيام بالفعل، المحافظين على شعور بعضهم البعض، إننا أمام خيارين إما التصرف بعقلانية في جميع أمور حياتنا أو التصرف بحماقة. فأيهما نختار؟
اقرأ أيضاً :
غريب أمركم أيها الماديون!! – كيف يعرف الإنسان نفسه ويدرك سبب وجوده ؟
عصر السيولة ومفاهيمه عن الإنتماء وعلاقة ذلك بالغزو الفكري
جيلٌ هش .. الجيل المعاصر في خطر!