مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالات

التعصب في مرآة رمزية العنف

مفهوم التعصب

التعصب هو التمسك ببعض الآراء والاعتقادات والتصورات والأفكار.. إلخ من ناحية، ورفض كل ما يخالفها بشكل قطعي من ناحية أخرى. وهو ما يجعل الإنسان المتعصب يتصف بمجموعة من الصفات _مثل رفضه لمفهوم التعددية_ هذا فضلا عن حمله لفكرة التقديس على كثير من الاعتقادات الذاتية، بالإضافة إلى اتصافه بعدد من الصفات اللا أخلاقية.

سمات المتعصب

رفض التعددية الفكرية وحمله لفكرة التقديس:

فلا يقبل المتعصب التعددية بكافة أشكالها وألوانها، وهو يرفض التعددية الفكرية لأنه يعتقد أن الأفكار التي يؤمن بها ويعتقد في يقينها هي فقط الصحيحة، وما دونها فهي أفكار خاطئة، وأصحابها آثمون، كما يرفض التعددية الثقافية، لأنه يعتقد أن أي ثقافة تختلف أو تتناقض مع ثقافته هي ثقافة باطلة.. إلخ.

كما أن الإنسان المتعصب كثيرا ما يُلحِق صفات التقديس على كل ما يعتقد في صوابه، بحيث إنه يجعل أية محاولة لنقد أي من الأفكار أو الاعتقادات أو التصورات التي يؤمن بها بمثابة ثورة عليه تهدف إلى تدميره، وهو ما يجعله يرفض الخوض في أية حوارات أو مناظرات أو مناقشات مع الأغيار.

الكبر والغرور وعنف اللغة:

كما يتصف الإنسان المتعصب بعديد من الصفات مثل التكبر والغرور وامتلاك ناصية الحق، كما يتسم بعنف اللغة سواء عندما يتحدث أو حتى عندما يكتب، ويجعل بينه وبين الآخر حاجزا منيعا لا يدمر إلا بدخول هذا الآخر مسار فكر ذلك الإنسان المتعصب.

كما أن الإنسان المتعصب يبني بيديه سجنا حديديا منيعا لتسكن فيه ذاته، قضبانه حديدية بل وفولاذية الصنع، وهي بمثابة تلك الآراء، والاعتقادات، والتصورات، والأفكار التي يزعم أنها تمثل الحق واليقين والصدق التام، كما أن صلابة ومتانة هذه القضبان تدخل في علاقة طردية مع قوة تغلغل تلك الآراء والاعتقادات والتصورات والأفكار في عقل الإنسان المتعصب لها،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فمتى كانت هذه الأمور متغلغلة في عقل المتعصب كان من الصعب عليه أن يحرر ذاته من قبضتها، أما إذا كانت متوسطة القوة، فيمكن ببعض المجهودات العقلية الذاتية أن يخترقها ويضعف قوتها، ويمكن أن يتسنى له تدمير هذه القضبان ليس بالضرورة جملة واحدة ودفعة واحدة، بل تبدأ عملية التفكيك والتدمير من مبدأ واحد أو فكرة واحدة أو اعتقاد واحد، ليخرج من خلاله إلى النور مُحررا ذاته من ذلك السجن الذي صنعه لنفسه،

ومتى كانت محاولة السعي لتدمير قضبان ذلك السجن مبكرة كانت هناك فرصة أكبر لأن يتحرر الإنسان منه، لأنه مع مرور الوقت ستقوى تلك الأفكار وتتغول تلك القضبان بشكل يصعب معه تفكيكها وتدميرها هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى -وهو أمر أكثر خطورة- أن تمتزج تلك الآراء، والاعتقادات، والتصورات، والأفكار معا لتخرج من مجرد الاعتقاد الذهني إلى التطبيق العملي والمواجهة مع المحيط الخارجي بالعنف، وهنا ينتقل المتعصب من مرحلة التعصب إلى مرحلة التطرف، وهي الأكثر ضررا وتدميرا للإنسان نفسه من ناحية وللمجتمع من ناحية أخرى.

فالتطرف وثيق الصلة بالعنف، لأن سياقية العلاقة بينهما هي علاقة طردية، فكلما قوي التطرف ازداد العنف، وكلما أخذ ذلك التطرف في الضعف سيضعف بالضرورة معه العنف.

 أشكال العنف

العنف الرمزي:

وللعنف أشكال وألوان شتى، وتظهر عندما يحتك الإنسان المتطرف بالآخر. فهناك شكلين للعنف، أحدهما: “العنف المسلح” وهو ما يسعى لتطبيقه الإنسان المتعصب، وذلك كمحاولة منه لتطبيق ما يؤمن به من أفكار وآراء واعتقادات راديكالية متطرفة بشكل عملي مستخدما في ذلك القوة المسلحة أو القوة الحربية، وهو ما يتجلى بشكل واضح في التفجيرات والعمليات الانتحارية التي يقوم بها كثير من المتطرفين في فترتنا الراهنة.

 العنف المسلح:

أما الآخر فهو “العنف السِلمي” ويقوم به الإنسان المتعصب إما من خلال المجادلات الكلامية، والتي غالبا ما تحمل ألفاظا تكفيرية وهجومية على الطرف الآخر، دون استخدام القوة.

أشكال عنف المسلح “الرمزي”

ويمكن تحت هذا العنف السلمي يندرج ما يسمى بـ”العنف الرمزي”، وله شكلان، الأول وهو ما يمكن أن نطلق عليه “العنف الرمزي الخشن”، والذي يعبر عنه المتعصب في شكل رموز، وإشارات، وإيماءات، وحركات جسدية يقدمها عندما يعترض على أمر من الأمور، ويرفضها بشكل جذري، وهو ما يتجلى بشكل واضح في الحياة العملية والممارسات المعيشية عندما يتعامل المتطرفون مع محيطهم الاجتماعي، ويمكن رصد هذا النوع من العنف من قبل رجل الشارع العادي.

وهناك “العنف الرمزي الناعم” والذي يتضمن في الإنتاج الفكري من خلال الدعوة إلى العنف، إما بشكل واضح صريح أو بشكل مستتر متخفٍ، وهذا النوع الأخير يمكن كشف النقاب عنه من خلال تطبيق منهجين، وهما: منهج التأويل والمنهج البنيوي، فيطبق منهج التأويل على النص ذاته، ويطبق المنهج البنيوي على البناء الثقافي والاجتماعي والسياسي والفكري، وهو ما يتجلى بشكل واضح في الكتابات الأكاديمية والمشاريع الفكرية، ويمكن رصد هذا النوع من العنف من قبل الطبقة المثقفة.

وننتهي من هذا إلى أن التطرف كما يتجلى في أشكال العنف المختلفة يجب أن يتصدى له العامة والخاصة على حد سواء، فهي مسئولية مجتمعية يجب أن يتكاتف جميع أطياف المجتمع –رجل الشارع والمثقف– كل في مكانه وفي موضعه من أجل دحض ذلك العنف، وذلك من خلال بث قيم التسامح، والعيش المشترك، والدعوة للتعددية الفكرية، وتقبل الآخر، ليس بشكل نظري، بل ما أدعو له أن تبث بشكل تطبيقي يتجلى في المعاملات والاحتكاكات والممارسات سواء في داخل الأسرة وداخل المدرسة وداخل الجامعة وداخل مؤسسات العمل بل وفي الشارع.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضاً:

ترويض العقول وتبرير العنف بين المتبوع والتابع!

الإعلام ومشاهد العنف

مامعنى أن تكون محايدًا؟

د. غلاب عليو حمادة الأبنودي

مدرس اللاهوت والفلسفة في العصور الوسطى ، قسم الفلسفة كلية الآداب جامعة سوهاج