التعصب الكروي في السينما المصرية .. كثير من السطحية والتبسيط
من وقت لآخر تطل علينا ظاهرة التعصب الكروي (المصنوعة)، مؤخرا طلت علينا أشد قبحا وانحدارا، بعد أن كان الأمر كله عبارة عن إفيهات ونكات وسخرية من الفريق المهزوم، أصبح خوضا في أعراض، وسبا وتطاولا على حُرمة الموتى، ثم سقوط قتلى وجرحى، بالطبع لفتت هذه الظاهرة انتباه صُناع السينما عندما ظهرت للمرة الأولى في أواخر السبعينيات، وتم تقديمها بشكل كوميدي وساخر في عدد من الأفلام غلب عليها التسطيح وعدم الجدية، وهو ما تناسب مع شكل وجحم الظاهرة في ذلك الوقت وقبل أن تتحول لما وصلت عليه الآن.
بداية جذب جمهور الكرة للسينما
البداية كانت محاولة من صُناع السينما لجذب جمهور الكرة إلى شاشة السينما من خلال استغلال نجوم الكرة في السينما، كما حدث مع المطرب محمد الكحلاوي والذي كان لاعبا في نادي السكة قبل أن يحترف الغناء والتمثيل، قدم الكحلاوي في عام 1955 فيلم “كابتن مصر” مع إسماعيل يس ومحمود المليجي،
ثم صالح سليم الذي ظهر في أعمال بعيدة عن الرياضة وعن كونه أحد نجومها، وفي السبعينيات ظهر إكرامي في أفلام تدور أحداثها في عالم الرياضة وكواليسه، وكان ذلك باستغلال نجوميته وشهرته وتقديمه لأكثر من فيلم سينمائي، “يارب ولد، الرجل الذي فقد عقله، إحنا بتوع الإسعاف”،
وبعد نجاح هذه الأفلام تطور الأمر وأصبح تقديم أفلام عن الكرة وعالمها ليس حكرا على الرياضيين، حيث قدم نور الشريف فيلم “غريب في بيتي”، والذي تحدث عن لاعب كرة مغمور وما يتم ضده من مؤامرات ومكايد للقضاء عليه بسبب الغيرة والحقد، ثم ينتهي الأمر بتطاول الجمهور عليه وضربه وتركه للنادي، “غريب في بيتي” مأخوذ من الفيلم الأمريكي فتاة الوداع.
أشهر الأفلام التي تناولت عالم الرياضة
يُعد أشهر الأفلام التي تحدثت بشكل مباشر عن عالم الرياضة والتعصب الكروي هو فيلم “4-2-4” إنتاج عام 1981، والمأخوذ من المسرحية الإيطالية “الورثة”، والذي تدور أحداثه حول رجل أعمال يمتلك مصنعا وملحق به نادٍ، ويأخذ كل مكسب وربح المصنع وينفقه على النادي حتى إن المصنع أفلس وتوقف عن الإنتاج،
في إشارة من مؤلف الفيلم للتناقض الذي حدث في المجتمع حيث تم إهمال الصناعة والإنتاج لصالح ما هو أقل أهمية، حتى إن الجمهور تظاهر أمام منزله بسبب سوء نتائج النادي وليس بسبب غلق المصنع وتوقفه عن الإنتاج،
وتطرق الفيلم لكواليس شراء اللاعبين وبحثهم عن المال دون الاهتمام بما يقدمونه للنادي والجمهور، وأيضا هوس وجنون الجمهور بهذه اللعبة وهذا العالم وضغوطهم على النادي للرضوخ لطلبات اللاعبين المُبالغ فيها.
وفي عام 1988 قدّم شريف عرفه فيلم “الدرجة الثالثة”، والذي تناول الصراع بين الجمهور الحقيقي للكرة وهو جمهور الدرجة الثالثة وشلة من المنتفعين من اللعبة والنادي، ومحاولة نسف مدرجات الدرجة الثالثة وفي النهاية ينتصر الجمهور الحقيقي.
ومع بداية التسعينيات وظهور جيل هنيدي وعلاء ولي الدين والسقا ومعهم موجة جديدة ومختلفة من الكوميديا، تم التوقف عن تناول ظاهرة التعصب الكروي تماما (على اعتبار أنها ظاهرة كوميدية بالأساس)، وتم التركيز على النوع الجديد من الأعمال الكوميدية خاصة مع تحقيقها لنجاح كبير.
فيلم الزمهلوية
في عام 2008 تم تقديم فيلم الزمهلوية، وهو الفيلم الوحيد الذي تناول ظاهرة التعصب الكروي بشكل مباشر من خلال كبير مشجعي النادي الأهلي وأسرته وأيضا كبير مشجعي نادي الزمالك وأسرته، وما يحدث من تعصب بين أفراد الأسرة الواحدة إلى حد الطلاق عندما اكتشف أن زوجته تشجع النادي المنافس سرا،
أو رفض الزواج من شخص ينتمي للنادي المنافس رغم قصة الحب التي جمعت بين ابن كبير مشجعي النادي وابنة كبير مشجعي النادي الآخر، وشارك في بطولة الفيلم عدد كبير من اللاعبين (الحضري، عمرو زكي، خالد بيبو، محمد شوقي) لمزيد من المصداقية.
ضرورة الجدية في التحدث عن التعصب الكروي
ومن بعدها لم يتطرق صُناع السينما لهذه الظاهرة بما لا يتناسب مع أهميتها وخطورتها ولا شعبية اللعبة الأولى في مصر والعالم كله، والآن لو تطرق أحد صُناع السينما لهذه الظاهرة بالطبع لن يكون بشكل كوميدي وسطحي كما حدث سابقا، لا بد وأن يتم تناولها بشيء من الجدية والعمق،
والجدية هنا لا تعني غياب الكوميديا بقدر ما هو الاهتمام بتقديم هذه الظاهرة بشكل أعمق وأكثر جدية، ورغبة في التصدي لها وكشف المستفيدين منها، خاصة بعد أن وصلنا لهذه الحالة من التردي والسوء والخوض في الأعراض، ومن قبلها سقوط قتلى ومصابين في بورسعيد والدفاع الجوي،
ومع ظهور القنوات الفضائية والتي امتلأت بالبرامج الرياضية واستديوهات التحليل، وأيضا القنوات الرياضية التابعه للنوادي الكبرى، وكلها أدت لمزيد من التعصب والانقسام في المجتمع بحثا عن مزيد من المشاهدات والمتابعات مهما كانت الخسائر والأضرار الاجتماعية الكبيرة، أصبح لزاما على كل عاقل أن يرصد هذه الظاهرة ويحذر من خطورتها على المجتمع وعلى الشباب.
اقرأ أيضاً:
هل روجت سينما الانفتاح لقيم النفعية والمادية؟
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.