إصداراتمقالات

التصوف عند العقاد

طالما أشار بعض المتصوفة إلى ضعف العقل البشري وأنه لايستطيع أن يصل للحقيقة.. واختلف الأكثرية حول حدود التصوف وضوابطه، ولم يتفقوا على تعريف واضح لمعنى العزلة، وهل الذين لم يتخذوا نهج العزلة من المتصوفة كان لهم إنتاجا ثقافيا وفكريا أثرى الفكر الإسلامي، أم أنهم لم يخرجوا أبدا من دائرة الرياضة الروحية وطريق السلوك إلى الله؟ وكثير من هذه الإشكالات التي تحدث عنها محمود عباس العقاد وعن المنهج الصوفي بشكل عام؟
فبداية يرى العقاد أن التعمق في طلب الأسرار هي صفة مشتركة بين الصوفية الحقة وفلاسفة التفكير الذين يغوصون على الحقائق البعيدة وعلماء النفس الذين ينقبون على ودائع الوعي الباطن وغرائب السريرة الإنسانية.

ويضيف أن الإسلام وبشكل قاطع يرفض الرهبانية والانقطاع عن الدنيا، لذلك تجد أن الديانات الأخرى قد أخرجت من الرهبان والنساك المنقطعين عن الدنيا أكثر مما أخرجهم الإسلام دون مراء.. بينما الأمر يختلف عند الكلام عن الصوفية الإسلامية؛ فإن عدد الصوفيين ذوي الآراء والأقوال أكثر من أمثالهم في جميع الديانات الأخرى، ويؤكد العقاد بأنك إذا جمعت أقوال المتصوفة في الإسلام ملأت الأسفار الكبرى، وطرقت كل باب من أبواب الحكمة الإلهية. ثم يقسم الصوفية من حيث المضمون إلى نوعين اثنين: نوع العقل والمعرفة، ونوع القلب والرياضة.
ويؤمن العقاد أن من الصوفية العقلية طلاب المعرفة والذين يُحسبون في عداد الفلاسفة الأفذاذ مثل محي الدين بن عربي وذو النون المصري، فهؤلاء الصوفيون العقليون يذهبون بالعقل إلى غاية حدوده، ولايتهيبون الشكوك والاعتراضات بل يقولون بلسان الغزالي: إن الشك أول مراتب الإيمان. ولكنهم متى بلغوا بالعقل غايته ملكتهم نشوة الوجدان فأسلموا أمرهم كله لله، وليس اشتغالهم بالعقل مانعا لهم أن يشتغلوا بالرياضة النفسية، وإنما يشتهرون بأفكارهم لأنها الصلة بينهم وبين تلاميذهم ومريديهم وقرائهم.
على عكس الصوفيين القلبيين الذين يلتمسون المعرفة المباشرة برياضة النفس على قمع الشهوات، فعندهم أن شهوات الإنسان فقط هي الحائل بينهم وبين النور والمعرفة.
كما يقسم الصوفية من حيث علاقتها بالدنيا إلى فريقين: فريق يتخطاها وينبذها، وفريق يمشي فيها ويصل منها إلى الله.. فالفريق الأول يرفضها لأنها وهم وغشاوة مزيفة كالطلاء الذي يوضع على المعدن الخسيس ليخيل إلى النظار أنه معدن نفيس، ونوع آخر يخوض غمار الدنيا ليبتلي نفسه ويمتحنها بتجاربها وغواياتها، وعنده أنها جميلة؛ لأنها من خلق الله؛ وكل مايخلقه الله جميل. ويوقن العقاد أن هذا النوع من الصوفية أقرب أنواعها إلى الإسلام؛ فليس على المسلم حرج أن يرى للدنيا ظاهرا خداعا، وباطنا صادقا أجمل من ظاهره.
ويؤكد العقاد أن الصوفي المتشرع لا ينقض الشريعة أبدا بل يتمها ويكشف ما استتر من حكمها وأسرارها، بل يمكن أن يظهر ما خفي من أسباب ظواهرها كما فعل الخضر مع موسى (عليهما السلام)، وقد كان أقطاب الصوفية يقيمون الفرائض ويصومون ويصلون ويعطون الصدقات ويحجون بيت الله ويجاهدون في سبيل الله ضد الطغاة والظالمين، وليس من الإنصاف أن نحمل على التصوف أوزار الأدعياء واللصقاء الذين يندسون في صفوفه جهلا أو نفاقا أو فضولا، ولكن التصوف على حقيقته الكاملة هو حرية الضمير في الإيمان بالله على الحب والمعرفة؛ ولكن أناسا من أبناء العصر الحاضر يحسبون أن الصوفية ماهي إلا تراث قديم مهجور!..ولا يعلم أن رياضة النفس ضرورة لازمة كرياضة الجسد ولا يستطيع أن يستغني الإنسان عنها يوما واحدا.
ثم يختم العقاد متحدثا عن حجم التصوف في الدين فيرى أن الإسلام قد وضع التصوف موضعه الذي يصلح به ويُصلح من يريده، فليس هو واجب وليس بممنوع، ولكنه ملكة نفسية موجودة في بعض الطبائع، والإسلام يجيزه بالقدر المعلوم الذي لا إفراط فيه ولا رهبانية، ولا يجلب الضرر لسالكه أبدا.

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أحمد السيد

بكالوريوس تجارة
خريج معهد إعداد الدعاة بوزارة الأوقاف
باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة