مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالات

التحرش مسئوولية الرجل أم المرأة

تعد ظاهرة التحرش من أكثر القضايا المثيرة للجدل، فهناك من يحمل الرجل كامل المسؤولية لعدم سيطرته على غرائزه وهناك من يحمل المرأة المسؤولية لعدم احتشامها، وهناك من يرى أن الرجل ضحية مجتمع جاهل أو ضحية الفقر أو التشدد الدينى أو أن التحرش ما هو إلا نتيجة الكبت الناتج عن قلة الاختلاط أو تأخر الزواج، وهناك من يرى أننا إذا سلكنا مسلك الغرب فى التحرر فيما يخص العلاقة ببن الجنسين سيختفى هذا السلوك المشين تماما…  فمن على صواب يا ترى ومن هو المسؤول الحقيقى؟ الرجل أم المرأة؟ وهل كثرة الضوابط هى السبب أم التحرر المطلق؟

للإجابة على هذه التساؤلات سنحتاج أولا لمعرفة كيف يعمل عقل الإنسان -رجل كان أم امرأة- وكيف هى تصوراته عن الحياة وعن الآخريين…

لنتخيل معا أن عقل الإنسان كمكتبة فارغة تماما، وكل درج من أدراج هذه المكتبة مختص بأحد الأفكار أو الأشخاص أو الموجودات بشكل عام، فهناك مثلا درج السعادة وبجانبه درج الحرية وفوقهم درج المرأة كمفهوم وكذلك درج الرجل وفى الجهة الأخرى درج الأصدقاء ودرج العمل وأسفلهم درج الإله وبجانبه درج الأخلاق والصواب والخطأ… وهكذا لكل شىء الدرج الخاص به والذى سيبدأ كل إنسان بتغذيته بالمعلومات التى تناسبه من خلال تربيته وتجاربه وما سيشاهده فى التلفاز وعلى الإنترنت وغير ذلك من مصادر للمعلومات…

فإذا تربى الرجل مثلا فى بيئة تتعامل مع المرأة كسلعة أو كأداة للإثارة أو ككائن أقل مرتبة وانتشرت مشاهدة الأفلام الإباحية بين الشباب وندر الحديث عن الأخلاق الفاضلة وانتشر مفهوم السعادة على أنه اللذة والمتعة بغض النظر عن العواقب، واختفى مفهوم السعادة المتمثل فى الحكمة والشجاعة والعفة، بجانب انتشار فكرة أن الحق مع القوى وأنه من حقه أن يفعل ما يحلو له بالضعيف وتم ترسيخ هذه المفاهيم فى الأفلام والإعلانات والأغانى بالإضافة لشبه اختفاء لمفهوم الإله ومكانته فى توجيه الإنسان وتربيته وإرشاده لما يوصله حقا للسعادة، فما هى المعتقدات التى ستترسخ فى عقل الرجل عن المرأة؟

وعلى الجانب الآخر إذا تربت المرأة فى بيئة ترسخ نفس المفاهيم ولكنها تستخدمها بصورة مختلفة هذه المرة، فتقوم بتغليف ما سبق فى صورة أنه كلما زادت المرأة إثارة وجمالا وتحررت من كل الضغوطات المتمثلة فى الفضيلة والعفة، وما يصح وما لا يصح، حازت المرأة على مكانتها الحقيقية وتحررت من أغلال المجتمع الذكورى الذى يمنعها من الاستمتاع بجمالها ومن ممارسة حريتها كيفما تشاء… فما هى المعتقدات التى ستترسخ عن المرأة فى عقل المرأة ذاتها؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

خلاصة ما نود قوله أن ما نغذى به عقولنا هو ما يشكل أفكارنا ومفاهيمنا عن الحياة، وهذه المفاهيم هى التى تشكل سلوكياتنا فيما بعد، وبناء عليه يمكننا استخلاص أسباب تشكل هذا السلوك غير السوى فى الآتى:

١- كثرة مشاهدة المواد الإباحية؛ حيث إنها تدور حول هيمنة الرجال على النساء وجعلهم فى مرتبة أقل، فتتسلم الشهوة القيادة نيابة عن العقل وبالطبع من الصعب جدا فى هذه الحالة كبح جماح الشهوة طالما أتيحت لها الفرصة للانطلاق خصوصا إذا أيقن الفاعل أنه لا رادع له.

٢- انتشار الإعلانات والأفلام والأغانى التى تغذى الشهوة وتضع المرأة فى قالب الإثارة والمتعة والترفيه.

٣- وجود معتقدات تبرر التحرش من قبيل أن الحق مع القوى أو أن المرأة تستحق ما يحدث لها لأنها متبرجة وغير محتشمة.

٤- انتشار كل ما يغيب العقل ويضعف القدرة على السيطرة وكبح النفس كالمخدرات والكحوليات.

٥- انتشار الأمراض النفسية الناتجة عن التربية الخاطئة كالسادية والماسوخية والتى تؤدى لانحرافات فى السلوكيات بشكل عام وفى السلوكيات المرتبطة بالجنس بشكل خاص.

٦-  غياب التربية الدينية والعقلية القائمة على النقاش والحوار والتساؤل وانتشار مفهوم الدين على أنه منظومة غير عقلية دورها الوحيد هو كبت الإنسان ومنعه عن طريق مجموعة الإرشادات المتمثلة فى افعل ولا تفعل.

كيف نسيطر على شهواتنا؟

1- التقليل قدر الإمكان من مشاهدة الإعلانات والأفلام والأغانى المبتذلة التى تستخدم المرأة كسلعة أو كأداة لإثارة الشهوات وبذلك سنساهم ليس فقط فى تحصين عقولنا ولكننا أيضا سنقلل من الطلب على كل ما هو مبتذل وبالتالى يقل عرضه.

2- اختيار البيئة والصحبة الصالحة لأنه ما نجا من نجا إلا بصحبة الصالحين.

3- ترسيخ مفهوم السعادة المتمثل فى الفضيلة والعفة والشجاعة والعلم والحكمة لا فى اللذة المؤقتة التى سريعا ما تزول ولكن تظل آثارها الضارة باقية ومدمرة على النفس والآخرين.

4- عدم المساهمة فى ترسيخ أى معتقدات خاطئة تبرر التحرش وتلقى اللوم على المرأة، مع العلم أن التبرج وعدم الاحتشام أمر غير عقلانى وانسياق وراء معايير الجمال التى يصدّرها الإعلام للحط من مكانة المرأة كإنسان وإقناعها بأن الجمال الحقيقى فى الإثارة وعدم العفة، فالأمر كما يتطلب سيطرة وتعقل من الرجل يتطلب أيضا سيطرة وتعقل من قبل المرأة، وبذلك نساهم فى وصول المجتمع ككل للفضيلة.

هل نحن فقط من نعانى من تلك الأزمة؟

يرى البعض أن السبب فى زيادة نسب التحرش فى البلاد العربية منشؤه الفقر والتشدد الدينى وعدم الاختلاط والانفتاح التام بين الجنسين، ولكن بالنظر لمعدلات التحرش والاغتصاب فى البلاد الغربية التى تمارس الانفتاح بكل أشكاله بين الجنسين دون أية ضوابط فإننا بحاجة لإعادة التفكير فى أن الانفتاح والتحرر المطلق هما سبيلا الخلاص من هذه الأزمة، فبعد انتشار هاشتاج #me_too  الذى شجع معظم النساء على الخروج من صمتهم والإفصاح عن ما عانوه من ابتزاز وتحرش لفظى وجسدى، نجد دولة مثل السويد التى تتمتع بحالة اقتصادية ممتازة وتقدم تكنولجى كبير تحتل المرتبة السادسة فى معدلات التحرش والاغتصاب، وجدير بالذكر أنه فى عام 2008  وصلت عدد حالات الاغتصاب بالسويد إلى 4000 حالة، وطبقا لشبكة “فرانس24” نجد أن 100% من النساء في فرنسا يتعرضن إلى التحرش الجنسي “لفظا وجسدا” في وسائل المواصلات العامة، ناهيك عن ما يحدث فى الجامعات البريطانية من ابتزاز للطالبات من قبل الأساتذة الجامعيين، أما في الولايات المتحدة فإن أربع طالبات من كل خمس تعرضن للتحرش الجنسي في المدارس الثانوية، أي بنسبة 80% من الطالبات! وغير ذلك الكثير ليس فقط فيما يخص التحرش بالنساء ولكن أيضا بالرجال والأطفال، ناهيك عن تجارة المواد الإباحية للأطفال الذين بالطبع لا يتطوعون لتصويرهم فى هذه الأوضاع غير الآدمية. فهل حقا التحرر المطلق وارتفاع مستوى المعيشة والتقدم التكنولوجى هم عوامل التقدم الأخلاقى!

خلاصة القول

التحرر المطلق يؤدى للفوضى، والإنسان بحاجة لضوابط وقواعد تمكنه من ممارسة حريته دون التعدى على حريات الآخرين وهذه هى منطقة عمل الدين الذى يمثل الكتالوج المرسل من الإله العليم بحال عباده والأصلح لهم، فحب إظهار المفاتن شهوة وحب النظر للمفاتن أيضا شهوة  و”غض البصر والاحتشام” واجب على الطرفين للحد من جموح هذه الشهوة ولا سبيل للسيطرة على النفس إلا بالتخلص من هيمنة الفكر الاستهلاكى الشهوانى ومقاومة مفهوم السعادة الذى يتم ترسيخه فى عقولنا والمتمثل فى اللذة والمتعة وإعادة تبنى مفهوم السعادة المتمثل فى الحكمة والعفة والشجاعة والسعى لاكتساب هذه الصفات قبل مطالبة الآخرين بالالتزام بها.

 

اقرأ أيضا:

 أخلاقيات العمل .. كيف ننمي الأخلاق داخل بيئة العمل!؟

من العجب إلى الحب.. كيف نطهر قلوبنا من الغرور بالحب ؟

حوادث مؤسفة تكشف لنا أحوال المرأة في المجتمع الغربي – الغرب ليس جنة

محمد خيري

عضو بفريق بالعقل نبدأ القاهرة