قائد أم رئيس وهل يوجد فرق بينهما؟ وهل يمكن الاستغناء عنه؟
مهام القائد
القائد ليس بالضرورة من يعلم قواعد أو مهارات جديدة، قد تكون المعلومات أو المهارات بالفعل موجودة في الوعي العام ولكنها إما علم غير مفعل أو مهارات غير مرتبة أو مستغلة بالشكل الأكثر فعالية. ولذلك فمهمات القيادة هي بالأصل ثلاثة عند تحريك الجموع:
- التعليم
- التدريب
- التنظيم وترتيب الأولويات
لدرجة أنه قد يعتقد بعد تحقق النظام والترتيب بين نشاطات المجتمع وتآلفها فيما يحقق النفع العام والقيمة الفائضة على المجتمع بأسره -يعتقد توهما عند هذه اللحظة انتهاء الحاجة للقائد والقيادة، وهذا اعتقاد خاطئ ينتفي ما أن ندرك دور قائد الأوركسترا أو قائد فرقة التجديف الذي بالمثل يُعتقد أنه لا يفعل شيئا غير أنه يجلس بطرف القارب ويقرع الخشب ليعطي الإشارة لينظم تجديف الفريق.
يمكننا لكي ندرك أهمية دوره أن نتخيل ما سيحدث عندما يتوقف القائد عن مهمته، فربما تنتظم حركة الفريق لمدة دورة أو دورتين ولكن بعدها سيحدث خلل ما ولو بمقدار ضئيل جدا -ثانية واحدة أو ثانيتين- سبق فيها أحد المجدفين رفاقه أو تأخر عنهم. وهنا تبدأ الفوضى وتصطدم المجاديف مع بعضها البعض وتتكسر وتضطرب حركة القارب ويتوقف تقدم الفريق ويخسر السباق.
ما الذي حدث هنا؟
إذا اعتقد الفريق أنه يمكنه الاستغناء عن القائد ودوره في تنظيم حركة الفريق سيصطدم بواقع سيء جدا وهنا فقط سيدرك الدور المحوري الذي كان يلعبه القائد وهو تنظيم التواصل بين أعضاء الفريق. الفريق يعمل في دورات، وينتج كل عضو كمية معينة من المجهود، تتجمع تلك الجهود في كل دورة لتنتج حركة القارب. هنا المسألة مسألة تدرس في منطق الاستقراء بعنوان الشروط الضرورية والشروط الكافية لأي عملية منطقية. والشروط الضرورية هي التي إن امتنعت؛ امتنعت معها العملية من الأصل. فهي توفر العوامل الذاتية للعملية نفسها كمثل القارب والمجداف والمجدف.
وعلى الرغم من ضرورة تلك الشروط لتحرك القارب إلا أنها ليست كافية وحدها لتحقق هذا الهدف. ولذلك فالشروط الكافية هي مجموعة الشروط الضرورية لحدوث حدث معين. أما الشروط الضرورية فلا تكون كافية في كل الحالات وذلك ربما لنقص العلم بأحد الشروط الضرورية للعملية والذي لا يمكن اكتشاف ضرورته إلا بتعطيل عمله ثم دراسة تأثيره على العملية. فلو تمت العملية من دونه لم يعد من الشروط الضرورية وخرج من الشروط الكافية أصلا. أما لو انهارت العملية بدونه؛ أُضيف لمجموعة الشروط الكافية وأصبح شرطا ضروريا. وحالما طبقنا هذه التجربة على قائد فريق التجديف ووجدنا أن العملية تنهار في غيابه أصبح القائد من الشروط الضرورية للعملية.
الفكرة تهدد المجتمعات
نجد من هذا التحليل إسقاط كامل للنظرة الأناركية أو حتى الشيوعية المثالية اللتين تدعيان الوصول لمجتمع في حالة مثالية لا تحتاج أصلا لقائد أو لقيادة مركزية. ذلك لأن هذا الادعاء لا يمكن التأكد منه فعلا إلا بتجربة وضع بلا وجود القائد. الموضوع أشبه بمن يدعي أنه يمكن لطاولة أن تظل متزنة بساق واحدة! يمكننا تخيل كيف سيشرع في إثبات ذلك بإزالة أرجل الطاولة الواحدة تلو الأخرى.
ويعتبر هنا أقل عدد لأرجل الطاولة اللازم لبقاء الطاولة مستقرة هو عدد الشروط الضرورية الكافية لتحقق هذا الاستقرار؛ ولذلك فإن ثمن الانصياع لهذه الادعاءات ومحاولة تجربتها واقعيا على المجتمع يهدد المجتمع حتما بالانهيار؛ ذلك لأنه من لم يأخذ بالدليل العقلي والتحليل الفلسفي للظواهر الاجتماعية كأساس لبناء نظريته الاجتماعية أيا كانت سيضطر للجوء للتجربة والخطأ. تجارب لا يمكن إدراك الخلل بها إلا بعد تحقق نتائجها التي ستكون كارثية وفقا لبعض النظريات المطروحة للتجربة.