مقالاتأسرة وطفل - مقالات

التبكيت – شفتوا بكتتها إزاي؟ هي أصلا متفهمش حاجة في الجواز

أسلوب التبكيت

في جلسة تضم مجموعة من السيدات اللاتي تتحدثن عن أسباب ازدياد الخلافات بين المتزوجين والتي قد تصل للطلاق، قالت إحداهن والتي تدعى (س) : أن الزوجين يجب أن يتفهما طبيعة الزواج، وأن الأسرة هي مجتمع صغير لابد له من قائد حتى يستقيم أمره، وأن الرجل هو الأقدر على القيام بهذا الدور عن المرأة فتكون له القوامة التى هي تكليف لا تشريف ولأن…
قاطعتها إحدى الجالسات الأخريات (هـ) وقد بدا عليها الغضب من حديثها: وما أدراك أنت بطبيعة الحياة الزوجية أو بكيفية تسيير أمورها فأنت غير متزوجة ولم يسبق لكِ حتى الارتباط من قبل.
بالطبع صمتت (س) وخاصة عندما بدا الإعجاب على وجوه الأخريات بقوة حديث ونباهة (هـ) وقالت إحداهن: “شفتوا بكتتها إزاي؟!”.

نعم هو أسلوب ” التبكيت ” أسلوب شائع ومتبع بكثرة فيما بيننا، فعندما نشعر أن الحوار يهرب من بين أيدينا وأن وجهة نظرنا تتقهقر، نبحث بسرعة عمّا نصدم به الشخص الآخر، ونضربه به فى رأسه فيتشتت تفكيره وينعقد لسانه، ويصبح النقاش من نصيبنا دون أن يكون لهذا الأمر علاقة بالحوار من الأساس، ولكن “بنبكت بعض”.

الدوافع وراء أسلوب التبكيت

فلا أحد يدرى سواءً كانت (س) أو باقي الأخريات ولا أنا ولا حتى (هـ)، ما علاقة أن تكون (س) متزوجة أو غير متزوجة، أرملة أو مطلقة، ارتبطت من قبل أو لم ترتبط، أو ما علاقة أن كلامها قد يحمل الحقيقة والرأى الراجح بأن تكون متزوجة أو لا، ما علاقة كل هذا بأن تبدي رأيها فى موضوع عام يتطلب فقط أن تكون مطلعًا على مفاهيمه الحقيقية، عارفًا بكيفية الحكم فيه، منصفًا لدور العقل فيه كأي موضوع آخر.

قد تكون (هـ) فعلت هذا بسبب قصور فى الفهم، أو عدم حبها لـ (س)، أو عدم تقبلها لوجهة نظرها، الدوافع قد تتعدد وتكون كثيرة، لكن أيًا كان دافعها فهو خاطئ، ولا محل له في الحوار.

عندما نحاول البحث في أي قضية مهمة وحيوية يجب أخذ الموقف الحاسم تجاه هذه القضية، يجب عدم الوقوع فى أي تشويشات قد تحجب عنّا الرؤية الصحيحة.
مسألة خلط الأوراق، ورفع شعارات ظاهرها إصلاحي وعقلاني، لخلط الحق بالباطل، قد تُخرب البوصلة الصحيحة للأحداث، بمعنى “منخليش حد يبكتنا”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ومن أهم القضايا التي يُستخدم فيها أسلوب ” التبكيت “، هي قضية تحرير وتمكين المرأة، فحتى الآن لم يتم تعريف ماذا يعني هذا المصطلح بدقة، مما ستتحرر، وكيف ستتحرر، كيف ستمكننوها، وهل هي قادرة على ما ستمكننوها منه، لا دخل لنا، نحن فقط سنحررها كما تشاء حضارات وثقافات أخرى لها اليد العليا، والهيمنة المادية.

ما هو معيار تحديد حرية المرأة ؟

ألا تريد للمرأة الحرية؟؟……..بالطبع
هل أنت مع المجتمع الذكورى؟؟….بالطبع لا
هل تنكر أن المرأة تتعرض للظلم؟؟…لا

إذن فلتكن مع حرية المرأة التي نقولها، وإلا فأنت تضطهد المرأة.
وكما هو الحال دائمًا، لا أدري ما علاقة رفض ظلم المرأة، والرغبة فى منحها مكانتها الحقيقية بقبول أو رفض تلك الأساليب المتبعة اليوم لتحرير المرأة، كما أنه لم يتم تحديد المعيار الذى يدل على ظلم المرأة

فهناك من يرى ظلم المرأة في الحجاب، وهناك من يرى أن عدم الحجاب والاحتشام هو الظلم، هناك من يرى أن منع المرأة من بعض الأعمال ظلم، وهناك من يرى أن تكليفها بها هو الظلم، فما المعيار إذًا ولمن القول الفصل؟؟ أهو للأهواء والمصالح، أم للثقافة الأقوى والمهيمنة؟؟

محاولة الخروج

في بداية محاولة الخروج من دائرة ” التبكيت ” هذه، شعرت أني أعجز عن فهم لما دائمًا لكي نُظهر مكانة المرأة وقدرها، نقارنها بالرجل، فنحن نقارن بين إنسان وإنسان، إنسان ذكر، وإنسان إنثى، يشتركان في صفة الإنسانية، لهما حقوقهما، وعليهما واجباتهما بلا اختلاف، ويختلفان في جهة أخرى تكوينية تفرض على كل منهما واجبات يعجز عن آدائها الآخر، وفي هذا الجانب خُلقا ليتمما ويكملا بعضهما، فلما وكيف المقارنة وكأنهما في سباق وتنافس لا ندري!!.

وأما إن كانت هذه هي الطريقة الأمثل لإظهار مكانة المرأة فهي حقًا طريقة تعترف بأن المرأة لا كيان لها بل فعلًا إنعكاس للرجل؛ فلابد دومًا من أن تتساوى مع الرجل، رغم أن مكانة المرأة جلية وواضحة بذاتها، ودورها وتأثيرها معروف، ولذا كان دومًا الرهان عليها.
فأينما ولت المرأة فكرها، وحيثما خطت، كان لوجهتها الغلبة، ولكن المرأة إما أن تشارك في غلبة حقيقية، أو غلبة زائفة، ستقهر أول من تقهر المرأة، وتذيقها صنوف العذاب والاستغلال، كما رأينا في حضارات غابرة وحضارات قائمة.

إن المرأة هي الجبهة الداخلية والأهم لأي أمة، هي في قلب المجتمع، وقد أراد الله للمرأة أن تكون إنسانًا وأرادوا لها أن تكون تمثالًا بلا روح ومغزى ولا معنويات، فمن إذًا أسقطها وأفرغها من كل حقيقة وعزة؟

الحرية

عند المناداة بالحرية لأي شخص، فهذا يعني أن تفتح أمامه جميع الخيارات، وتعرفه بها، وتكشف حقائقها أمامه ليختار بعد ذلك ما رأى فيه مصلحة له، أما أن تستعمل لفظ الحرية كغطاء للتضليل والانفلات، فهذه هي حريتك لا الحرية الحقيقية.
والمرأة إن فتحت أمامها كل الخيارات بحقائقها، إن هي عرفت حقًا مكانتها وحقيقة ما يدعونها إليه، فسترى المكانة المرموقة للمرأة حيث القيم والأحكام العقلية السليمة مطبقة بحذافيرها، وبمجرد أن يخلو المكان من هذه القيم؛ فإنك ستجد المرأة قد أُخذت لمكان غير المكان الطبيعي لها أن تكون فيه.
للمرأة الحق بآداء دورها الفعّال في المجتمع، لها كل الحقوق، كالتعليم والعمل والانتخاب، بل هي مسؤوليات وواجبات عليها، ولكن كما أن مزاولة الرجل لبعض الأمور قد تقود للمفاسد، فمزاولة المرأة أيضًا لبعض الأمور قد تؤدي للمفاسد.

العدالة وتنوع الأوار

والجدير بالذكر، أنه لا يختلف اثنان على وجوب سن قوانين تمنع من وقوع المجتمع في الفساد، ومن هذه القوانين تقسيم الوظائف في كل مجتمع، والذي يقوم على أساس تقبل الأشخاص لتلك الوظائف، وإمكاناتهم للقيام بها على أحسن وجه؛ فحتى العمل فى جسم الإنسان مقسم على الأعضاء، وداخل كل عضو العمل مقسم على الأنسجة، وحتى الأنظمة الوضعية المتحررة تدرك هذا الاختلاف بين الرجل والمرأة، فنجد أن بريطانيا قد منعت بعض أنواع التبرج لأنها توجب الإخلال بالنظام وفساد المجتمع.

فلنتعرض للسؤال ثانية، من أراد للمرأة أن تكون إنسانًا وتشارك في المجتمع وتظهر فى مجال الخدمة كإنسان لا أكثر ولا أقل، ومن أفرغها من كل معنى ومغزى وأرادها وسيلة لخدمة مصالحه وأهوائه؟

لا يستطيع أحد أن ينكر الاختلافات بين الرجل والمرأة، وأن الغرائز والإمكانات المودعة في الإنسان تختلف من جنس لآخر، حسب الحاجة والواجبات، وأن هذا ليس من باب تسخير أحدهما للآخر بل هذا من باب التكامل والانسجام، فلا أحد يفضل الآخر. وهذه هي الحقيقة التي لا خلاف عليها مهما بلغ أسلوب ” التبكيت ” المتبع لتزييفها.

وما لا يمكن إنكاره أيضًا أن المرأة هي واهبة الحياة للأجيال، هي المُعد الفطري للوليد، ولذا وجب عليها معرفة مكانتها الحقيقية، والتي لن تدركها أبدًا ولن تتمكن من الاهتداء لما تسعى إليه، مهما حاولت ذلك وبذلت فى سبيله الغالي والرخيص، طالما أنها بمنأى عن القيم والأحكام العقلية.

طالع أيضا:

 ماذا سيحدث إذا حكمت الآلات العالم؟

 دور الضحية

 الصدفة وحدها هي السبب وراء نشأة الكون ؟ هل المقال إتكتب صدفة ؟

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

 

دعاء محمود

طالبة بكلية الطب جامعة المنصورة

باحثة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة