قضايا وجودية - مقالاتمقالات

البضاعة عفنة، وطلابها عشاق!

تأملات فلسفية في ثلاثية الصحة والمرض والموت

انتشرت مؤخرا ظاهرة موت الفجأة -حفظنا الله وإياكم، وكذلك ارتفاع معدلات وفيات فيروس كورونا اللعين، ومع التسليم بقضاء الله وقدره تبقى في النفس تأملات في فلسفة الوجود، وإشكالية الحياة المعقدة التي تتداخل فيها ثلاثية (الصحة والمرض والموت) تداخلا عجيبا يبرز تناقضات النفس البشرية وتباين توجهاتها المضطربة تجاه تلك الثلاثية..

فالصحة:

نعمة الله منحها للناس فتنة وابتلاء، وهي نعمة تستحق شكرا دائما لمانح النعم، ويأتي الابتلاء والفتنة لدى أولئك الذين اغتروا بصحتهم ودوام عافيتهم فظنوا أن النعمة خالدة، فبطشوا وطغوا واستبدوا وأفسدوا في الأرض!

والمرض:

ابتلاء وامتحان واختبار عظيم، ولكن تناقضات البشر في استقبالها للمرض تراها في صور ثلاث:

ترى ذلك المريض الصابر الحامد المحتسب المؤمن بقضاء الله وقدره، وهذا النوع تراه -رغم مرضه- مصدر أمل لمن حوله، يعلمهم الصبر والجلد والتحمل.

وترى ذلك المريض الناقم الساخط الذي يؤمن أن مرضه لم يصب به أحد في الكون سواه، تراه شاكيا باكيا ناقما لاعنا حياته وأيامه والظروف!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وترى المريض المتاجر بمرضه يستدر شفقة الناس، ويستنزف بطاريات تعاطفهم، ويحيل مرضه إلى وسيلة تحقق له غايات ذاتية، وهذا النوع للأسف تراه كثيرا تحت وطأة متاجرته بمرضه لا يكف عن الطمع والشكوى!

وأنت تشاهد تلك الثلاثية أمام عينيك تجد نمطا مريضا من البشر هو من يشمت أو يتشفى في مرض مريض، أو يتلذذ بالتشهير به، أو يدعي أن هذا المرض انتقام من الله أو غير ذلك، ذلك النمط المريض نفسيا بيننا للأسف، يجاهر بغله ولا يعلم أن الله له دائما بالمرصاد، وغدا سيشرب من كأس المرض، ليعلم علم اليقين كيف تكون ذلة المرض لمن لم يتوقعه يوما!

والموت:

قضاء الله وقدره، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، والناس حيال الموت أنواع:

منهم المؤمن بالقضاء والقدر، سوي النفس، جابر خواطر الناس، رفيق المحن.

ومنهم الشامت الحاقد في موت غيره، المؤمن بأن الموت عقاب إلهي لمن ظلمه، أو كانت بينهما خصومة، ولا يعلم ذلك الأحمق أنه لا شماتة في الموت!

ومنهم المصدوم دهرا، غير مستوعب حقيقة الموت لفقدان غال أو عزيز لديه.

ويبقى الموت وحده أصدق حقيقة في الوجود، ولو أدرك كل منا أن نهايته المحتومة غدت قريبة لهدأ باله واستقرت نفسه، ولكنها للأسف حماقة لا علاج لها!

اللهم متعنا بالصحة والعافية، واحفظنا من كل مرض يذلنا ويشمت فينا من لا يرحمنا، وارحم موتانا وأدخلهم فسيح جناتك، وتجاوز عن سيئاتهم برحمتك وعفوك يا أرحم الراحمين.

وليعلم الإنسان أنه أسير تلك الثلاثية، وأن حياته حلقة ممتدة بين صحة ومرض وموت، فليكف الجميع عن التناحر والتباغض والصراع والحقد والغل والكراهية، فالبضاعة عفنة، وطلابها عشاق.

اقرأ أيضاً:

قلق الموت

لا تركننّ إلى الدّنيا وما فيها فالموت لا شكّ يفنينا ويفنيها

فلسفة المرض

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د/ محمد جمعة

أستاذ أصول التربية ووكيل كلية التربية جامعة دمياط لشئون التعليم والطلاب