هداية الإنسان والكون – هل يمكن أن تكون هناك برمجة إلهية للمخلوقات ؟
هداية الإنسان والكون – هل يمكن أن تكون هناك برمجة إلهية للمخلوقات ؟
ثمة أسئلة
هل الملحد لديه ميول نفسية غاضبة على المجتمع مثلًا أو ميول راغبة في الملذات دون قيود كما يدّعي البعض أو ربما ميول مفتونة بالتقدم الغربي المادي فقرر تبني فلسفته الراهنة أم أن الملحد شخص برئ من تلك التُهم ويمتلك نفس سالمة بالإضافة لعقل راجح قرر أن يستخدمه في كسر الحواجز والبحث عن الحقيقة؟
ثمة سؤال تُمثل إجابته الحكم على سلامة ورجاحة الملحد، هل يجب أن يكون الإله موجودًا؟
ثمة أسئلة قد تكون في ظاهرها بسيطة وليس لها إجابة ولكنها تحجب وراءها رؤية للوضع الكائن وتمثل إجاباتها اتجاهًا فلسفيًا، مثلا لماذا لا تلد الدجاجة؟ لماذا هناك أسماك تلد بينما معظم الأسماك تبيض؟ لماذا لا تخرج من البذرة حشرة؟ لماذا الشمس بهذه الجاذبية التي تجعل الكواكب تدور حولها؟
لماذا يكره الإنسان الظلم ويحب العدل؟ لماذا يدفع الضرر عن نفسه ويحب الخير؟ لماذا لا “ينونو” العصفور أو ” تصوصو” القطة؟ لماذا على الموجودات أن تفعل الأفعال التي تفعلها دون غيرها؟ – وسيتضح ذلك بشيء من التفصيل في الأجزاء القادمة – برغم أنها يمكن أن تفعل خلاف ذلك ولا يوجد أي مانع عقلي يمنعها ولا يستطيع العلم إثبات أن تلك الأمور من لوازم وجودها، إذًا فما هذا السر؟
إن لي صديقًا يعمل ليلًا في أحد المصانع على أحد الآلات الحديثة حيث يضع الخامات ويشّغل الآلة ثم يتركها وينام!
كلنا نعلم هذا الباب الذي يفتح أوتوماتيكيًا كلما اقترب أحد منه أو تلك الأقمار الصناعية التي تدور في مدار ثابت وترسل صورًا وبيانات، هذه الآلات لا تعلم ولا تُدرك ماذا تفعل وإنما الإنسان هو من سخّرها ووضع فيها علمه وهداها لتلك الأفعال دون شعور أو إدراك منها، وإذا أسقطنا هذا الأمر على الكون وعلة وجوده، أليس هناك توجيه وتدبير للموجودات في الكون دون إرادة وعلم منها؟
وإن أنكر أحد ذلك فليقل لي مثلًا لماذا نحب من يُحسن إلينا ونكره من يأخذ حقنا بالقوة؟ لماذا ننجذب للجنس الآخر؟ لماذا نخاف حين نتعرض للمخاطر ونحاول دفعها عنّا؟ لماذا نبحث عن المنفعة والسعادة؟ لماذا لا نؤمن بأن علبة صغيرة قد يكون بداخلها فيل؟ لماذا لا نفترض وجود شخص في مكانين مختلفين في نفس الوقت؟ وإن أجاب على تلك الأسئلة قائلًا “تلك أمور بديهية لا جواب لها” فمن الذي أودع فيه البداهة والفطرة وماذا كان موقفه وقتها؟
توجد قوة مُسخّرة ومُسّيرة للموجودات ترشدها وتوجهها لما يجب عليها فعله، سمّي هذا الأمر هداية أو جذب أو كما يقول الصوفيون عشقًا، هو كالبرنامج موضوع بداخل كل مخلوق يقوده بشكل لا إرادي منه إلى خطوط عريضة تمثل نمط وجوده، الله خلق بنظام وإتقان ثم وضع في مخلوقاته ما يهديها إلى كمالها ويحقق أهدافها.
هداية الأجسام الحية
للأجسام الحية قدرة على التكيف مع البيئة ويصل الأمر إلى أن تخلق في نفسها شيئًا لهذا الهدف، هذا التكيف ليس له علاقة بخلقها أي ليس لازم قهري لوجودها، الأسماك مثلًا لا تستطيع التنفس على اليابسة حيث تنفسها تحت الماء من لوازم وجودها لامتلاكها خياشيم وليس رئة وهذا بخلاف التكيف الذي يحدث نتيجة للظروف التي تفرضها البيئة،
يقول ابن سينا منذ أكثر من ألف سنة في هذا السياق “لو أخذنا حيوانًا كالدجاجة مثلًا بأن وضعناها في بيئة ليس فيها ديكًا يدافع عنها ستكون هذه الدجاجة مضطرة للدفاع عن نفسها بأن تؤدي وظيفة الديك، سنجد أنه يظهر في ساقها وبالتدريج شيء يشبه الظلف (يكون في الديك يدافع به) فيأخذ في النمو حتى يكون قويًّا، فيكون بدنها حينئذ هو الذي يخلق فيها العضو الجديد بالتدريج،
ولم يكن هذا الفعل يرتبط بنفس التركيب لبدن الحيوان” والعلم الحديث اكتشف الكثير من تلك الأمور التي تدل على التكيف البيئي للأجسام الحية، عندما يتم جرح الجسم ويحدث نزيف في الدم فإن الجسم يقوم بتعويض النقص الذي حدث بإنتاج الكريات البيضاء والحمراء بقدر احتياج البدن دون زيادة أو نقصان وبحسب طاقته وعندما يفقد الجسم موادًا كالبوتاسيوم والصوديوم فإنه يحاول تعويض ذلك بالقيام بتفاعلات كيميائية داخل الجسم والأمثلة كثيرة،
يؤمن الكثير من العلماء أن الأجسام الحية أعقد من أن تكون مجرد آلات حيث في داخلها ما يهديها إلى أهدافها وهذا الأمر يشبه الجهاز الذي يجعلها تتكيف مع وضعها وبيئتها، وهذا التكيف لا يحدث بإرادة الجسم ورغبة من صاحبه بل هو مُهيأ ومُسخّر للتكيف مع البيئة.
هداية الحيوانات
نجد الكثير من الحيوانات والأسماك والحشرات لها نمط معيشي معين، كتاب عجائب الأسماك يقول “هناك نوع من الأسماك تجتمع من جميع أنهار العالم في بحر في جنوب أمريكا عندما يحين وقت التكاثر، فتضع بيضها في ذلك المكان وتموت جميعًا، ومن العجيب أن الأسماك الجديدة يعود كل منها إلى المكان الذي كان يعيش فيه آباؤهم في السابق من دون أن تخطأ في تحديد ذلك المكان، قام العلماء بتجربة حيث أخذوا من نسل تلك الأسماك التي كانت تعيش في فرنسا فوضعوه في شاطئ آخر فلاحظوا أنها ترجع إلى المكان الذي كان يعيش فيه النسل السابق، وكأنه كان من المقدّر لهذه الأسماك أن تعيش في مكان معيّن ”
ومن الأمور الأخرى التي توقفت عندها أيضًا تلك الحشرة التي هي أكبر من البعوضة وأصغر من الذبابة عندما يحين وقت وضع بيضها تبحث عن حلزون وتلدغه لدغة خفيفة في موضع معين بحيث يسقط مُغمى عليه دون أن يموت، فلو لدغته لدغة قوية تُسبب موته لم يتحقق هدف الحشرة لأنه سيتعفن قبل أن تفقس بيضها، تلك الحشرة تفقس ثم تموت مباشرة فيتغذى صغارها على الحلزون حتى تصير لها أجنحة ثم يتكرر هذا الأمر جيلًا بعد جيل، وفي النحل ونظامه وطريقة حياته مثال على ذلك أيضًا والأمثلة كثيرة.
هداية الأجرام السماوية
يوجد نظام ثابت في المجموعة الشمسية، نجد الأرض تدور حول الشمس، والأرض والشمس يدورا حول بعضهما، كل كوكب ونجم له مداره الخاص حول الشمس وله سرعة معينة في دورانه، وغيرها من الدلالات التي تدل على خضوع الأجرام السماوية لنظام ثابت، يرد بعض العلماء هذا النظام إلى الجاذبية ولكن أقصى ما يمكن أن يقدموه هو أثر الجاذبية وليس حقيقتها،
يقول نيوتن ذاته وهو مكتشف الجاذبية “إني لا أقول ما حقيقة الجاذبية وكيف هي؟، إنني أظن أن الأجسام يجذب بعضها الآخر” لماذا وما السر وراء ذلك؟ العلم التجريبي ليس لديه إجابة ولكن نيوتن قدم الإجابة من حيثية مختلفة حيث قال “إن هذا النظام الذي اكتشفناه لا يكفي في حفظ النظم، بل لا بد من الإقرار بدخول يد القدرة في ذلك أيضًا “فالإرادة الإلهية يجب أن تكون المتحكمة في الجاذبية ونظام الكواكب والنجوم حيث لا يوجد أي مانع يجعل تلك الأجرام تختلف عما هي عليه فيما يتعلق بجاذبيتها وحركتها وخواصها ولذلك فهي تحتاج إلى حافظ.
هداية الإنسان
ما بين الانهيار العصبي والإيداع في مصحة عقلية وفقدان العقل والشرود في الشوارع والبكاء الهستيري والصراخ لأتفه الأسباب والضحك ضحكة تشبه العواء بلا سبب، كان هذا مصير طاقم الطائرة التي ألقت القنبلة الذرية على هيروشيما، جميعهم أُصيبوا بتشوهات نفسية وعصبية رغم اختيار الجيش الأمريكي لهم باعتبارهم أسوأ وأشرس الجنود لأداء تلك الجريمة.
التاريخ وعلم النفس أكدا بأن المجرمين والطغاة غالبًا ما يتعرضون للإصابة بأمراض نفسية وعصبية، لماذا؟ الإجابة هي الضمير، هذا المُراقب الذي يميز بين الحسن والقبيح فيلوم الإنسان إذا قام بأفعال قبيحة فيتألم الإنسان لذلك، هذا الضمير الموضوع في الإنسان ليهديه إلى الحق والقيم،
فترى البشرية قد اتفقت على استحسان العدل ورفض الظلم وحب السلام وكره الاعتداء وحب الخير وكره الشر وشكر المُنعم ودفع الضرر وجلب المنفعة، تلك الأمور التي نردها إلى الفطرة والتي ينهار من خالفها عاجلًا أم آجلًا وبشكل أو بآخر، من الذي فطرنا عليها؟ فهي ليست من لوازم وجود أجسادنا،
بجانب الفطرة نجد بديهيات العقل وهي مجموعة الأفكار التي يحكم العقل بصحتها دون دليل مثل “كل نتيجة لازم لها سبب” “الكل أكبر من الجزء” “استحالة اجتماع النقيضين” وغيرهم، العقل لا يبحث عن دليل للتأكد من صحة هذه الأفكار فهي بينة بذاتها، من الذي وضع تلك الأفكار في العقول؟
يمكن تلخيص المقالة في هذا القياس المنطقي
الكون مهدي (مقدمة صغرى)
كل مهدي لا بد له من هادي (مقدمة كبرى)
الكون له هادي (نتيجة)
اقرأ أيضاً:
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.