مقالات

انتشر التلقين في حياتنا، وصار أنجحنا هو الببغاء الأشطر!

التلقين آفتنا الكبرى

عنوان هذا المقال – التلقين- اقتبسته من سياق جملة لأستاذنا الكبير عبد الوهاب المسيري رحمة الله عليه، ففي محاورة لأستاذنا سألته الكاتبة سوزان حرفي عن إصلاح السياسات التعليمية في الوطن العربي وما هي أشكال معاناة الإصلاح وكيف يمكن تجاوز كل ذلك؟

وما هي السياسة التعليمية التي تحقق ما نصبوا إليه من رفعة وتقدم، فأجابها دكتور عبد الوهاب المسيري بما معناه أن المشكل الكبير في وطننا العربي والذي تعاني منه مجتمعاتنا هو أسلوب التلقين، إن التلقين أصبح المنهج الوحيد. الإذاعة تلقن الجماهير وكبار الموظفين يلقنون صغار الموظفين والمعلمين يلقنون الطلاب فتصبح منظومة المعرفة عبارة عن قوالب يتم صبها في أوراق الامتحانات دون فائدة تذكر.

ومن يحصل على درجة الامتياز هو الببغاء الأكبر الذي قلد الأساتذة تقليدا تاما في كل ما يقولونه، ونفس الشيء الموظف الذي يريد أن يرتقي للمناصب العليا عليه أن يكرر كل ما تم تلقينه له من تعليمات وينفذها بحذافيرها دون مناقشة أو إعمال لعقله.

التلقين منهج حياة

مما سبق من إجابة الدكتور المسيري نضع أيدينا على الجرح الأكبر في حياتنا، ففي كثير من الوظائف وكثير من المناهج التعليمية نجدها قائمة على عملية التلقين دون رؤية توضح ما الذي سيستفيده الطالب من هذا المحتوى التعليمي هل سيصب في صالحه ويجعله يستطيع مواجهة الحياة بتقلباتها الكثيرة؟

هل سيستطيع أن يفكر تفكيرا نقديا لكل ما يتلقاه من معلومات شتى سواء في المدرسة أو البيت أو من وسائل الإعلام المختلفة؟ ما هي المعرفة التي تثري ولا تهدم؟ ما هي مصادرها؟ ما صحتها؟ ما هو التفكير النقدي البناء؟ كيف يمكن أن نتطور معرفيا؟ كل تلك الأسئلة للأسف بعيدة كل البعد عما تتداوله المناهج التعليمية في وطننا العربي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

التلقين أصبح منهج حياة كل من يسمع معلومة أو خبر ينقله في جلسة مع زملائه، هل سمعت بأن سعر السلعة الفلانية سيزيد؟ بيقولوا أن النبات الفلاني بيشفي من مرض كذا… حتى أصبحنا بوقًا إذاعيًا كبيرًا يتلقى ثم يفرغ ما تلقاه في آذان الآخرين، دون أية تحقق من مصادر وموثوقية تلك المعلومات المستقاة.

التلقين وصفحات التواصل الاجتماعي

والأمر يبلغ ذروته في الفضاء الإلكتروني على صفحات التواصل الاجتماعي، فكم كبير جدا من المعلومات والشائعات التي يتناقلها رواد تلك المواقع وينقلونها لبعضهم البعض هي معلومات غير موثقة مجهولة المصدر لا نعلم من مصدرها الأساسي فعندما ننقل دون توثيق لما نقوله نكون للأسف حصلنا على لقب ببغاء، وكل على حسب ما ينقله، فهناك ببغاء صغير وآخر متوسط والدرجة الكبرى هي للببغاء الأكبر الذي يتم تلقينه كم كبير من المعلومات ويقوم بنقلها دون تفكير ودون تمحيص.

ومن الكاريكاتير الجميل أن «طفلا تلقنه مدرسته مقولة أن الطقس في مصر حار جاف صيفا دافئ ممطر شتاء، ويظل على ذلك في كافة المراحل حتى يحضر مؤتمر بصفته مسئول في وزارة البيئة فيكرر مقولة حار جاف صيفا دافئ ممطر شتاء» فالتلقين ومنظومة التربية والتلقين هي الآفة الكبرى التي تربينا عليها في مدارسنا فلا تعلمنا مما أخذناه في المدارس من كم كبير من المعلومات لم نتعلم منه أي شيء قد يفيدنا في حياتنا.

ماهو الحل؟

فالحل يكمن في تغيير تلك المنظومة القائمة على التلقين وتكون منظومة الحوار هي البديل فأسلوب الحوار والنقاش هو الذي يثري العقل ويعلي من قيمة العقل، فإعمال العقل والتفكير والتساؤل هو ما يجعل للمرء قيمة؛ فقيمتنا تنبع من تفكيرنا ونقدنا لكل ما نراه ونسمعه.

وعلينا أن نتعلم كيف نستقي المعلومات وكيف ننقدها للتحقق من مصداقيتها ونكثر من الأسئلة فالتساؤل هو نبع المعرفة فما أجمل العودة طفلا نتساءل ما هذا؟ لماذا هو كذلك؟ ما فائدة الشيء الفلاني؟ فَرُوح التساؤل الذي فطرنا عليه أطفالا تم وأده في سياق عملية التلقين التي نشأنا وترعرعنا عليها، فهيا بنا نعود إلى فطرة الإنسان الأولى، هيا بنا إلى التفكير والتأمل والتساؤل البناء الذي يثري حياتنا وينمي قدراتنا.

الحوار بداية

ويمكن كبداية على طريق علاج تلك الآفة تفعيل الحوار على المستوى الأسري أو مستوى الأصدقاء ويكون بطرح موضوع ما ومناقشة هذا الموضوع وفتح باب حوار للتساؤل دون توبيخ أو إسفاف للمتسائل أيا كان السؤال، وعلى مستوى الأسرة يكون بتربية جيل يدرك معنى التفكير، فالأب والأم هما نواة المجتمع الفاضل الذي نبغيه فيمكن للأب والأم أن يجمعا أولادهما وطرح موضوع بسيط للأطفال لإبداء الرأي فيه ولتقويم طريقة تفكيرهم كرواية قصة مثلا وطرح تساؤل على الأطفال:

ما رأيكم في موضوع تلك القصة؟ ما وجه الإفادة منها؟ ما الخطأ الذي وقع فيه بطل القصة؟ وهكذا على هذا المنوال؟ فتلك بداية بسيطة لتربية جيل يفكر وينقد ويعرف كيف يقيم حوار مبنيًا على التساؤل الفعال، وليس التلقين.

طالع أيضا:

لا تتركوني وحيدا – التربية ودورها في إنشاء الطفل تنشئة سليمة وسوية

حكايات الحاجة ” عائشة ” لتحيي في نفوس الصغار روح الحق والعدالة

صفقة القرن واتجاه العالم .. حول كرة القدم وما تشكله لنا من أهمية!

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

محمد سليم

عضو بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالإسكندرية