مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالات

الاكتئاب يقتل! ما هو السبب وكيف نصل للعلاج!؟

يعاني أكثر من 300 مليون شخص حول العالم من الاكتئاب حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية لعامنا الحالي 2018م[1]!

عدد كبير حقا، ومن المرجح زيادته عن ذلك أيضا، لأن الإحصائيات تعتمد على عدد الحالات المسجلة، ولا يخفى عليك أن كثيرا من حالات الاكتئاب في بلادنا على سبيل المثال لا تذهب للطبيب النفسي ولا يتم تشخيصها لأسباب مختلفة منها الوصمة الاجتماعية المرتبطة بزيارة الطبيب النفسي، ربما إن جرى مسح شامل لكل سكان الأرض لكانت الأعداد أكثر من ذلك بكثير!

الاكتئاب في أسوأ مراحله قد يؤدي بالمريض إلى محاولة الانتحار كحل نهائي للخلاص من ألمه، وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية أيضا فإن كل 40 ثانية يموت شخص في مكان ما حول العالم بسبب الانتحار[2]!

فما هو الاكتئاب؟ وما الفرق بينه وبين حالة الإحباط التي تنتابنا من وقت لآخر دون أن يدفعنا ذلك -ولله الحمد- للتفكير في إنهاء حياتنا؟

الاكتئاب(major depressive disorder) هو مشكلة طبية خطيرة تؤثر سلبا على مشاعرك وطريقة تفكيرك وسلوكياتك، وتسبب الإحساس بالحزن وفقدان الشغف والاهتمام بالأنشطة التي اعتدت الاستمتاع بها ويمكن أن تؤدي إلى كثير من المشكلات الجسدية والعاطفية وتؤثرسلبا على أداء المصاب في عمله وفي منزله[3].

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وتختلف أعراضه حسب الحالة سواء كانت طفيفة أو متوسطة أو حادة ومن أهم الأعراض الإحساس بالحزن وفقدان الشغف، واضطرابات الشهية والنوم، والإحساس بالذنب وعدم القيمة، وصعوبة التفكير والتركيز، وأخيرا الأفكار الانتحارية[4].

مع ملاحظة أن الأعراض يجب أن تستمر لأسبوعين على الأقل لتشخيص الاكتئاب، كما قد تشترك تلك الأعراض مع أعراض أمراض أخرى لذلك فإن خير من يخبر المريض بتشخيص حالته هو الطبيب، وأنت عزيزي القارئ إذا وجدت في نفسك بعضا من هذه الأعراض فسارع بزيارة طبيب نفسي موثوق وابتعد عن لعب دور الطبيب ومحاولة تشخيص حالتك بنفسك أو التطوع بالطبع وتشخيص حالات المحيطين بك ممن تجد فيهم هذه الأعراض.

وتذكر دائما من أهم  النصائح التي تقدمها لمريض الاكتئاب أو شخص قد تجد فيه هذه الأعراض هي التأكيد على الذهاب للطبيب النفسي قبل فوات الأوان!

حسنا، هذا عن الاكتئاب، أما حالة الإحباط والحزن التي قد تعترينا من وقت لآخر بسبب موت شخص عزيز أو فقدان وظيفة أو صديق أو الطلاق من شريك الحياة أو أي سبب آخر، حالة الحزن العابر هذه اعتدنا فيما بيننا على تسميتها اكتئاب، كأن تسأل صديقك الذي يبدو عليه بعض الحزن مثلا: “مالك”؟ فيجيبك: “مكتئب شوية”.

هذه الحالة تختلف عن مرض الاكتئاب، بالطبع هذه الأسباب قد تؤدي إلى إصابة البعض بالاكتئاب فعلا.

مشاعر الحزن والإحباط مشاعر طبيعية تنتاب الإنسان في حالة فقدان شيء عزيز أو عدم حصوله على شيء يطلبه ويسعى إليه طبيعية بشرط ألا تجعل نظرة الإنسان للعالم سوداوية متشائمة.

حالة عابرة يستطيع الإنسان تجاوزها بمفرده أحيانا وأحيانا أخرى بمعاونة الأصدقاء والمقربين.

كما أن أوقات الحزن فيها غالبا ما تخالطها بعض الذكريات السعيدة أو المشاعر الإيجابية، كأن يزورك أصدقاؤك مثلا ويدعونك للغداء في مطعمك المفضل فلا تستطيع المقاومة.

هذه الحالة غالبا لا تؤثر على ثقة الإنسان بنفسه واحترامه لها، وإن صاحبها بعض الإحساس بانعدام القيمة فإنه لا يكون شديدا كما يواجهه مريض الاكتئاب، كذلك كما أسلفنا فإن أعراض الحزن وغيرها من أعراض الاكتئاب يجب أن تستمر لفترة لا تقل عن أسبوعين لتشخيص المرض.

 الاكتئاب يهدد الغالبية العظمى في عالمنا اليوم، فهل هناك أشخاص أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بالاكتئاب؟

هناك أشخاص أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب من غيرهم، فهناك عوامل تجعل فرصة الشخص لأن يصيبه المرض أعلى مثل:

  • العامل الوراثي: تزيد نسبة احتمالية إصابة الشخص بالاكتئاب إذا أصيب به أحد أفراد عائلته وخاصة المقربين، فعلى سبيل المثال إذا كان لدينا توأم متماثل وأصيب أحدهما بالاكتئاب فإن احتمالية إصابة الآخر قد تصل لـ 70%.[5]
  • العامل الجسدي: تغييرات معينة في كيمياء المخ قد تجعل الشخص أكثر احتمالية لأن تظهر عليه أعراض الاكتئاب.
  • العامل البيئي والاجتماعي: مثل تكرار تعرض الشخص للعنف والإهانات المختلفة والإهمال والفقر وضيق الحال تلك الأسباب المجتمعية وغيرها من الأسباب التي تعرض الشخص للضغط النفسي تجعله أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب.
  • العامل النفسي: وهوالأهم ويمكننا التعبير عنه بضعف النفس، كأن يكون الشخص متبني لأفكار عدمية تنكر وجود أي شيء ثابت أو حقيقة مطلقة ما يجعله لا يجد أي معنى لحياته ولسعيه فيها، أو أن يخطئ تشخيص المعنى الصحيح للحياة والغاية منها فيربط حياته بشيء متغير مثل أن يجعل من صديق مثلا أو شريك حياة أو مجموعة معينة ورضاهم معنا لحياته فتتوه نفسه فيهم وفي النهاية ربما لا يحقق رضاهم أصلا، وكذلك كأن يعلق نفسه بمنصب أو وظيفة معينة فتكون هي سبب حياته وسر نشاطه وحركته فإذا فقدها لأي سبب ضاع منه المعنى وقيمة الحياة، وهكذا فإن ربط الإنسان معنى الحياة والغاية منها بشيء متغير عرضة للفساد أو حتى الموت يهدده بشكل كبير ويضعف نفسه، كذلك فإن العيوب الأخلاقية تأثيرها سلبي على الإنسان تقيده وتثقل حركته وربما كانت سببا في نفور الإنسان من نفسه ما يمكن منه الاكتئاب.

والعامل النفسي المرتبط بأفكار الإنسان وسلوكياته وشخصيته هو أهم العوامل لإنه في الواقع الأكثر تأثيرا، فنحن ببساطة انعكاس لأفكارنا ورؤانا وسلوكياتنا ما هي إلا ترجمة لما نؤمن به حقا، فإذا كانت أفكارنا وأخلاقنا تؤذينا فهو أذى شديد فعلا،كذلك فإن بقية العوامل يمكن للإنسان التحكم فيها بإرادته لدرجة كبيرة ربما لا يمكنه التحكم في العامل الوراثي لكن للإرادة الإنسانية دور كبير جدا في علاج كثير من الأمراض ومنها الاكتئاب.

أما بالنسبة للعوامل البيئية والاجتماعية كالتعرض للانتهاكات فإن استجابة الإنسان لهذه المواقف السلبية هي الأساس، كأن يرفض الانتهاك ويرفض الصورة الذي يصدرها له عن نفسه كأن يقتنع الإنسان بأنه مستحق لهذا الانتهاك وأنه يتعرض له لخطأ أو مشكلة فيه هو شخصيا، نحن نتكلم هنا عن قناعات الإنسان وأفكاره أو استجابته الذهنية لهذه الانتهاكات التي بمقدوره تغييرها ورفضها مهما كان ذلك صعبا.

هل هناك طريقة نقي بها أنفسنا ومن نحبهم من الإصابة بهذا المرض اللعين؟

حسنا، لحسن الحظ نعم.

وأهم طرق الوقاية من الإصابة من الاكتئاب وغيره من الأمراض النفسية هي أن نقي أنفسنا من الأفكار المريضة!

إذا كان الاكتئاب يجعلنا نشعر بأن حياتنا لا قيمة لها ولا غاية للسعي فيها، فعلينا البحث عن معنى حقيقي لحياتنا نعلق به أنفسنا ويكون هدف سعينا فلا يتمكن منا الاكتئاب.

هذا المعنى لابد أن يكون ثابتًا مطلقًا يستحق أن نفني حياتنا في سبيله، لايتغير بتغير ظرف معين أو يفسدبمرور الوقت أو يموت حتى! ثابت ومطلق مهما حدث، كأن نتعلق بقيمة أو قضية مطلقة كالعدالة وحق الجميع في أخذ حقوقهم أو كرضا الله عزوجل.

ولكي نتمكن من تمييز الثابت من المتغير، الباقي من الفاني، لكي نستطيع التفرقة ولا ننخدع فنضع أنفسنا في مهب الريح عرضة للتعلق بأي شيء يجلعها ضعيفة فريسة للاكتئاب وغيره، خير ما يضيء لنا الطريق هو أن نتحلى بالتفكير المنطقي الذي نستطيع به التفرقة بين الحق والباطل والصحيح والخاطئ!

كذلك من طرق الوقاية  المهمة الارتباط بصحبة طيبة تشبع احتياجك النفسي للوجود في وسط مجموعة، وتعينك على الحق وفعل الخير، وتواسيك في ألمك، وتشد من أزرك في لحظات ضعفك.

أيضا الحرص على نظام حياة صحي مثل الانتظام في ممارسة رياضة معينة وتناول أكل صحي والنوم لفترات كافية مما يساعد بشكل كبير.

وتذكر دائما زيارة الطبيب النفسي ليست عيبا أبدا، وطلب المساعدة سمة إنسانية فكل منا يحتاج للآخر ولا يمكن لأي منا العيش بمفرده أبدا.

في النهاية نشير لتوصية مهمة من الجمعية الأمريكية للطب النفسي بضرورة الابتعاد عن نشر قصص وتفاصيل عمليات الانتحار كتداول ذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها.

[1] http://www.who.int/ar/news-room/fact-sheets/detail/depression

[2] http://www.who.int/mental_health/suicide-prevention/world_report_2014/ar/

[3] https://www.psychiatry.org/patients-families/depression/what-is-depression

[4] المصدر نفسه

[5] https://www.psychiatry.org/patients-families/depression/what-is-depression

اقرأ أيضاً :

كيف نرفض ما يحدث في الواقع دون أن ننفصل عنه ؟

 المعاناة والألم … هل من سبيل للخلاص من المعاناة ؟ ولماذا نعاني من الأساس ؟

شاهد أيضاً:

ثلالة طرق طرق للفشل.. عليك تجنبهم

القراءة مش للجميع

الهروب إلى السهل الممتنع

داليا السيد

طبيبة بشرية

كاتبة حرة

باحثة في مجال التنمية العقلية والاستغراب بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

حاصلة على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية