مقالات

الاقتصاد والوعي والحلول التي تساهم في بناءه

لا شك أن أحد أهم عناصر قوة الدول في العصر الحالي هو الاقتصاد، إن لم يكن الأهم؛ فالدولة صاحبة الاقتصاد الأقوى  في الغالب هي التي تمتلك النفوذ وفي بعض الحالات تستطيع فرض العقوبات الاقتصادية، وكلما كان الاقتصاد أفضل كلما كانت الدولة جاذبة للمستثمرين، كما توجد ميزة أخرى لجذب المستثمرين تتمثل في ضعف الاقتصاد؛ إذ إنه يمثل بيئة خصبة للمستثمرين الأجانب لفرق سعر العملة ولكن هذا الاستثمار غالبًا ما يتسبب في خصخصة القطاع العام بشكل غير سليم وأيضًا يؤثر انتعاش الاقتصاد في رفع مستوى الرفاهية داخل الدولة فيجعلها أعلى من غيرها.

والدول كما نعلم هي أشخاص اعتبارية بمعنى أنها تتوافق في حياتها مع حياة الفرد في كثير من الأشياء فهي تمر بفترات  قوة وفترات ضعف شأنها في ذلك شأن الفرد.

وكما أن عقولنا هي المسؤولة عن قراراتنا واختيار نمط الحياة الأصلح لنا يكون تقدم الدول وازدهارها واقعًا على عاتق المفكرين والقادة؛ فهم بمثابة العقل للمجتمع، وكما أن الإنسان يتعلم من الماضي ويأخذ منه العظة، يجب على المفكرين قراءة تاريخ الدول والبحث فيه عن أسباب النجاح للعمل بها وأسباب السقوط للابتعاد عنها.

وإذا نظرنا في الخمسين عام الماضية إلى الحالة الاجتماعية وما طرأ عليها من تبعات اقتصادية وسياسية سنرى أن الاقتصاد في مجتمعنا قد تأثر سلبًاً بالانفتاح الاقتصادي الذي تمثل في خصخصة الشركات وغل يد الدولة عن السوق بحيث إنه قد تم السماح بفتح باب الاستيراد من دون تقييد أمام السلع الأجنبية، ومن دون وجود قوة صناعية وطنية لمواجهة الاستيراد بالتصدير أو لمواجهة القوة الصناعية الأجنبية داخل الدولة، وأيضا تسبب الانفتاح الاقتصادي بشكل أو بآخر في ضعف الإنتاج الزراعي وغيرها من تبعات الانفتاح الاقتصادي.

وتأثر أيضًا بفتح باب الهجرة على مصراعيه، والذي بدوره أدى للتضخم المالي وضعف القيمة الشرائية وأدى أيضا إلى نشر الثقافة الاستهلاكية والترف المظهري وتفكك الأسرة، وازدياد التفاوت في معدل الأجور وزيادة الميل إلى الاستيراد كما تسبب في الانشغال عن القضايا القومية إلى الانشغال بالكسب المادي وكان سببًا رئيسًا في خروج علماء في شتي المجالات بحثًا عن الرفاهية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ولكن ما أضر الاقتصاد حقيقة هو غياب الوعي والحصانة المعرفية وقلة الفطنة من استيراد أفكار جاهزة وأيدولوجيات لا تتماشى مع نواة مجتمعاتنا، وتشرب ثقافات مشوهة دخيلة لا تمثل هويتنا، فلم نولي اهتمامًا للتبعات التالية لتلك السياسات بل سعدنا لما قدمته لنا من رفاهية كاذبة وأحلام وهمية غير حقيقية فانتشر بيننا حب الظهور المتمثل في الثقافة الاستهلاكية وشراء كل ما هو جديد وكل ما هو غربي لنكون عصريين دون وجود حاجز وطني يمنعنا من خدمة المصالح الأجنبية والسماح للشركات الأجنبية بالتضخم في مقابل ضعف الشركات الوطنية وعدم قدرتها على المنافسة، وتحول القرى من قرى إنتاجية إلى استهلاكية وتحول الزراعة إلى صناعة غير مجدية وانتشار الاستثمار العقاري والذي بدوره تسبب في غلاء العقارات بشكل رهيب من شدة الإقبال على المتاجرة فيه عن طريق شرائه ومن ثم تجميده.

يقول المثل الانجليزي (تستطيع أن تقود حصانك إلى النهر ولكنك لا تستطيع أن تجبره على الشرب)

تقبل الشعب لهذه السياسات والتي كانت تمثل له قبل بضع سنوات أفكار العدو الأكبر وكان ينعتها بالانحلال والانحراف دون إبداء اعتراض يذكر، وهذا دليل على ضعف المجتمع في محاربة الغزو الفكري والثقافي وهو دليل كذلك على هبوط الانتماء والهوية، وهذا للأسف يؤدي إلى إضعاف إن لم يكن انهيار الاقتصاد، ومن ثم إضعاف الدولة بشكل عام وهو غير المرجو.

لكي نصنع اقتصادًا لا بد من أن نصنع ولاءً لقضايا شريفة، ولاءً لإقامة العدل، ولاءً لنصرة القضية الفلسطينية،  لكي نبني اقتصادًا لا بد من نشر الوعي، وهذا هو دور النخب فلا يسعنا القول إلا بأن صلاح النخبة هو العامل الأول لصلاح الدولة وتقدمها بشكل عام سواء في الاقتصاد أو غيره…  فكما أوضحنا سابقًا أن النخبة المفكرة هي عقل الدولة ومركز إدارتها وبما أن النخبة هم قادة الرأي في شتى المجالات ويقعون بين طبقة الجمهور أو الطبقة العريضة وهي الشعب وبين الطبقة الوسطي وهي طبقة السلطة فإن عليهم رفع مستوى الثقافة والوعي لدى الشعب وتصحيح اتجاه السلطة لحل القضايا القومية الكبرى.

اقرأ أيضا:

حب عاقل ينعش صاحبه.. لما لا نحاول أن نرتقي بقيمة الحب

انطباعات: انتحار نجم فرقة الروك “لينكين بارك”

 

مؤمن أحمد سيف

عضو بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ أسيوط