مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالات

الاختلاف الواجب قبوله بين مركزية الإنسان ومركزية الإله – الفروقات الفردية

الفروقات الفردية وقدرات الأفراد

تحدثنا فى المقال السابق عن الاختلاف المذموم والذى لا يجب علينا تأصيله؛ لأنه مصدر تهديد للاجتماع الإنساني وقلنا أن الحالة المثلى للتعامل مع هذا الاختلاف بأن يكون الاختلاف طلبا للحقيقة وهذا يعنى أن يعترف المختلفون بأن الحق واحد وثابت، وأنه ما علينا إلا أن نتحاور ونتعلم ونتشارك لنصل إليه. وفى هذا المقال سنتحدث عن الاختلاف الواجب قبوله وتأصيله لأننا إذا لم نفعل ذلك وقعنا فى ظلم شديد وأهدرنا الطاقات والقدرات البشرية النابعة من الفروقات بين الأفراد، فتكون النتيجة ضعف أفراد المجتمع والشعور بالغربة وعدم التقدير ومن ثم عدم الانتماء لدى أفراد المجتمع المهدور حقوقهم.

طبيعة الاختلاف

لا يمكننا إنكار الفروقات الفردية الناتجة عن اختلاف القدرات العقلية والنفسية والظروف التربوية والاجتماعية لدى أفراد المجتمع الواحد فهذا أمر واضح للجميع، ولكن هل نجد فى الأنظمة التربوية والتعليمية ما يؤيد هذا التصور فنحترم الفروقات الفردية أم اننا نحترم القوى والأقدر ونحط من قيمة الأقل قوة وقدرة؟

لنتأمل معا الأمثلة الآتية :

فى التربية

تَربَّى كل منا فى بيئة مختلفة لأب وأم لهم من العلم والخبرة والقدرات ما يجعلهم مختلفين تماما فى ما يزرعونه في أبنائهم، فهذا والده عالم دين وهذه والدتها سيدة منزل وهذا والده عامل بسيط وهذه والدتها موظفة فى بنك، هذا يذهب مع والده للعمل و يقابل كثير من الناس ويسمع الكثير من الكلمات والعبارات المركبة فيكون حصيلة لغوية ويكون خبرات.

وهذا لا يخرج من المنزل إلا فى المناسبات ونادرًا ما يزوره أحد. هذا والده عالم بأمور التربية وهذا والده لا يعلم عن التربية وأصولها إلا ما تعلمه من آبائه وأجداده .

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كل هذه المؤثرات ونجد كثيرًا من الآباء يُرهقون أبناءهم بما لا يطيقون؛ لأنهم يريدونهم أن يكونوا أفضل من زملائهم وأقرانهم الذين فى مثل سنهم فيضعونهم دائما في مقارنة مع الغير في حين أن مؤهلات وقدرات الآباء أنفسهم على التربية السليمة تتفاوت. كما أن لكل طفل طبيعته وقدراته الخاصة التي تحتاج لطريقة خاصة في التربية.

فى التعليم

إذا كان هناك الفروقات الواضحة بين زملاء الفصل الواحد فى قدراتهم العقلية فلماذا نعلمهم نفس المواد الدراسية؟! بل ونتعامل معهم وكأنهم جميعا فى نفس المستوى العقلي فنهنىء الذى يجتاز الاختبار ونحط من مكانة من دونه ممن لم يحظوا بنفس مكانته وممن لم يسطيعوا من الأساس اجتياز الاختبار ؟!

إذا كان العلم وحتى تجاربنا الشخصية يؤكدون أن لكل منا قدرته الخاصة فى التعامل والعلوم واللغات والفنون والرياضات المختلفة فلماذا نُشعر الطالب غير القادر على تعلم اللغة وتركيب الجمل وصياغة الكلمات كزميله فى الفصل بأنه فاشل ؟

فى النقاشات

الحصيلة اللغوية والقدرة العقلية ومدى التجرد من موانع قبول الحقيقة تختلف من شخص لآخر، و بالرغم من ذلك نرى الكثير من الناس يتناقشون مع غيرهم كما لو كانوا صورة طبق الأصل منهم فى فهم المعانى وفى قدرتهم على تحليل الأفكار والمعتقدات.

وكنتيجة لعدم تفهم أن لكل شخص حالته الخاصة؛ نادرا ما نجد إنصات واعي من طرفي الحوار ولا نجد إشفاق من المصيب على المخطىء، ولا نجد تساؤل عمَّا يقصده الآخر بل نجد تسرع في الحكم، وغير ذلك الكثير وهذا كله نتاج عدم فهم طبيعة الاختلاف الواجب قبوله وتأصيله .

فى العمل

نادرًا ما نرى اهتمام ومحاولة تطوير لكل أفراد المؤسسات بل السائد هو الاهتمام والتركيز على الفئة ذات القدرات والمؤهلات العالية وذلك ليس عيبا في ذاته ولكن الأزمة في أن الاهتمام بالفئة الأقدر يكون على حساب الاهتمام بمن هم أقل قدرة وكفاءة؛ فيزداد الأقدر قدرة ويزداد الأقل قدرة ضعفا وهذا لأن مفهوم النجاح ينحصر في نجاح الفرد الذي يتنافس مع زملائه ليصبح “نمبر وان”،

ولكن إذا كنا نتعامل مع الجميع على اختلافهم ونتقبلهم فسيتحول مفهوم النجاح إلى الارتقاء بكل أفراد المؤسسة؛ فيكون الأكثر قدرة مسؤول عن الأقل منه قدرة وليس منافسا له وبذلك يتكامل ويرتقي الجميع. بالطبع سيظل هناك قادر وأكثر قدرة وقوي وأكثر قوة ولكن باحترام الاختلاف سنساعد الجميع على مزيد من التكامل والارتقاء بدلا من التنافس والصراع المستمر .

خلاصة القول

هناك نوعان من الاختلاف؛ الأول مذموم؛ وهو الاختلاف في المرجعية والمعايير الأخلاقية والعلمية والدينية فهذا الاختلاف يؤدي إلى تفسخ نسيج المجتمع وانحداره. ففي التربية مثلا لا خلاف على كون الصدق حسن والكذب قبيح والتدخين ضار والالتزام بالتعاليم الإلاهية أمر واجب. فهذا كله لا يبنغي أن نختلف فيه فيقول أحدُهم ربما يكون الكذب مفيدا والصدق مهلكا لصاحبه أو أن السجائر مفيدة للبعض وضارة للبعض الآخر.

أما النوع الثاني فهو الاختلاف الواجب قبوله وتأصيله بين أفراد المجتمع والذي إذا لم يتم مراعاته سيتم إهدار الحقوق وظلم الأفراد وإهدار الطاقات وانتشار الصراعات والتنافس بين الناس بدلا من التعاون والتكامل، فعلى سبيل المثال إذا اتفقنا على كون السجائر ضارة؛ فإننا يجب أن نختلف في الأسلوب والطريقة التي يجب أن نقنع بها الآخريين بأنها ضارة؛ لعلمنا بأن درجة ثقافة وبيئة ومدى تجذّر هذه العادة يختلف من شخص لآخر.

اقرأ أيضا :
مركزية الإنسان و مركزية الإله … بين الغاية والهدف (الجزء الأول

هل حقا في الاختلاف رحمة .. بين مركزية الاله ومركزية الانسان (الجزء الثاني)

اليأس خدعة و الأمل حياة جديدة نعيشها.. ولكن كيف؟

محمد خيري

عضو بفريق بالعقل نبدأ القاهرة