الإنسان بين الغاية والوسيلة .. والإنقسام بين جانبيه المادي والمعنوي
كثير من الناس سيثير لديهم هذا العنوان بعض علامات الاستفهام والتعجب، ولكن إثارتنا لبعض التساؤلات، قد يكشف من خلالها غموض هذا العنوان، فلنطرح التساؤل أمام شريحة كبيرة من المجتمع مختلفي النواحي الأخلاقية والاقتصادية والفكرية، حول غاية الإنسان وما يريده وما يحتاج إليه، وما هي الوسيلة الأمثل للحصول على هذا أو ذاك، سنجد أن هناك عوامل مؤثرة على تلك الرؤى، وهي في المقام الأول طريقة التفكير، ثم تأتي البيئة والعادات والأعراف والتربية والزمان والموروث عن الآباء والأجداد، وفي ظل هذه الاختلافات الكثيرة، يضيع استيعاب الناس للمعنى الحقيقي الذي يوضح لنا حقيقة الشيء، ويستند عليه في الفهم، وهو إجابة لسؤال “ما هو الإنسان لكى نعرف حاجاته؟
فى الأغلب ما نطلق على الجانب المعنوي للإنسان مسمى “روح” ومسمى “جسد” للجانب المادي، فنجد أنفسنا أمام جانبين، كل منهما له احتياجاته، وإن اختلفت في ظاهرها فإنها تتكامل في جوهرها، مثل أن يتشابه الإنسان مع الحيوان في طبيعة الجسد وحاجاته؛ فالحيوان يأكل ويشرب ويتكاثر دون غاية معنوية لذلك، أما الإنسان فيحب ويكره، وتبعًا لذلك يختار عن إرادة حرة ما يريده من مأكل ومشرب، شكلهم كان أو مذاقهم، وملامح شخصية شريكة حياته… وهكذا، وهنا يظهر لنا أن الإنسان لم يلبِّ فقط حاجات الجسد وغرائزه، ولكن سعى لتغذية وإرضاء جانبه المعنوي، وكذلك تظهر لنا الغاية الحقيقية لدى الإنسان، ألا وهي بحثه عن القيمة المعنوية، كالعدل والرحمة والجمال، الذي من خلالهم يتم كمال إنسانيته وتمام جماله الحقيقي الذي يخالف كمالات المادة (الجسد وحاجاته وغرائزه) لأنه لم يتخذ تلك الأشياء في ذاتها على أنها غايات، فيغرق في الشهوات هادمًا كل قيمة، مغلبًّا جانبه الحيواني وفاقدًا جوهره وقدرته على الاختيار والسمو فيما يرسخ في نفسه من قيم ومبادئ، يعمر بها مجتمعه ويفيد بها غيره، استكمالًا لرحلته الدنيوية، عفيفًا قنوعًا ينمي ما فيه من قيمة ومعنى، مشبعا بالحد الأدنى كل احتياج مادي بعفة وقناعة، وهذا هو الاتزان الحقيقي لسد احتياجات الجسد وتنمية الجانب المعنوى بالعلم والأخلاق.
ولتوضيح ما قصدنا فى الأعلى، قد يظهر ذلك فى مواقفنا الحياتية، ولكن لا يستشعره الكثيرون، لكن لأننا لن نتمكن من جمع أغلب مواقفنا، فلنذكر مثالًا واحدًا، وهو لماذا لا يستمر البعض في الرضا بأشكالهم، ونراهم كثيرًا ما يقومون بعمليات التجميل؟! هنا نسأل ما الغاية من هذا؟ فإن كانت الغاية في الجمال، فما المعنى الحقيقي للجمال؟ أجمال الشكل الذي دائمًا ما نجد الكثيرون يختلفون عليه في أذواقهم، فنجد أن هذا الجمال الشكلي هو جمال نسبي، قائم على حكم الناس، والناس آراؤهم مختلفة، أم أن الجمال له معنى أسمى من أن يجسد في المادة، ولا بد أن نضعه في موضعه، فيظهر كقيمة مجردة يظهرها الإنسان بإنسانيته وحسن أخلاقه، ومن ثم تتوق إليه كل نفس.
اقرأ أيضا :
من أين تستمد قيمتك؟ (الجزء الأول): هل قيمة الفرد تستمد من الآخرين؟
من أين تستمد قيمتك؟ (الجزء الثاني): هل قيمتنا تستمد من الأموال والشهادات والمناصب؟