دعوة للإبداع والابتكار
حتى نكون واقعيين فلا بد أن يؤمن كل منا بأنه إن لم يكن يتقدم نحو الأمام فهو بكل تأكيد يتراجع إلى الخلف، وبخاصة في ظل ما شهده العالم في العقود الثلاثة الأخيرة من تطورات وتغيرات سريعة على مستوى البحث العلمي والتطور التكنولوجي والتقني وكذا تغيرات وتحديات على المستوى البيئي مما أدى إلى توجه العالم لنموذج اقتصاد جديد “اقتصاد المستقبل”، القائم على المعرفة والابتكار والرقمنة، ومن ثم تحقيق نمو اقتصادي مستدام قائم على العلوم والتكنولوجيا المتقدمة وهو الاقتصاد الأكثر ذكاء، ومن هنا يعتمد على القدرات والكفاءات العالية والمواهب المميزة، وهو الاقتصاد الذي يصف جوانب أو قطاعات الاقتصاد التي تنتج بكثافة تقنيات مبتكرة أو جديدة أو تستخدمها، وينطبق هذا المفهوم الجديد نسبيًا خصوصًا على الصناعات التي يعتمد فيها الناس أكثر فأكثر على أجهزة الكمبيوتر والاتصالات والإنترنت في إنتاج السلع والخدمات وبيعها وتوزيعها.
أي أنه الاقتصاد الذي يقوم على ركائز مهمة من بينها “تعزيز الابتكار والإبداع والتنافسية والتطوير المستدام للأعمال والاقتصاد”، كما يعد الاقتصاد الجديد وسيلة لتحسين جودة الحياة وزيادة الفرص الاقتصادية للشعوب في أنحاء العالم جميعها.
كما أن الجميع أدرك أن مصير الأمم مرهون بإبداع أبنائها، وقدرتهم على سرعة الاستجابة لمشكلات التغيير ومتطلباته، كجوهر لكفاءة الإدارة وفاعليتها للمعرفة، التي تعد العنصر القيادي في العملية الإنتاجية، فمثلا شركة “آبل” هي الشركة الأكبر تقريبًا من حيث القيمة السوقية في التاريخ الصناعي الحديث، وهذا خير دليل على أن الثروة المعرفية أغلى من الثروات الطبيعية وغيرها، إذ نجد أن أجهزة الهواتف الذكية على سبيل المثال تباع بآلاف الجنيهات، ومن ثم فإن القيمة الحقيقية تكون في المعرفة والتقنية التي تشغل الجهاز وليست المواد الخام.
من هنا جاءت أهمية أن نتناول في مقالتنا هذه الإبداع والابتكار تحت مسمى دعوة للابتكار، التي تؤكد فيها على أهمية الابتكار ومن هو الشخص المبتكر وغيرها من مفاهيم ومرادفات مرتبطة بالابتكار، إذ إنه إذا أراد الشخص أن يكون مميزًا فعليه أن يكون شخصًا مختلفًا، ولكي يكون مختلفًا عليه أن يحقق شيئًا لا يستطيع غيره تحقيقه، لأنك إذا اتبعت الناس فلن تتقدم عنهم، وإذا مشيت بمفردك وسطهم فقد تصل إلى ما لا يصل إليه غيرك، ولك الاختيار في الحياة، إما أن تذوب بين الآخرين، أو أن تكون مميزًا.
الفرق بين الإبداع والابتكار
طيب هل هناك علاقة بين كل من الابتكار والإبداع؟ بالتأكيد! فالابتكار يعتمد على عملية تجديد الأفكار التي تكون موجودة بالفعل، أما الإبداع فهو استنتاج فكرة جديدة وتكون خارجة عن المألوف، كما أن الإبداع عملية عقلية لا يمكن قياسها، أما الابتكار فيمكن قياسه بالنتائج التي يحققها، الإبداع والابتكار مفهومان يستخدمان غالبًا بالتبادل، لكنهما في الواقع مختلفان تمامًا، الإبداع: القدرة على ابتكار أفكار جديدة، في حين أن الابتكار: عملية أخذ تلك الأفكار وتحويلها إلى شيء مفيد. في حين أن الإبداع ضروري لحدوث الابتكار، إلا أنه لا يكفي وحده. يتطلب الابتكار مزيجًا من التفكير الإبداعي وحل المشكلات والمخاطرة لنقل فكرة من المفهوم إلى الواقع، يميل الأشخاص المبدعون إلى التفكير خارج الصندوق والتوصل إلى حلول مبتكرة للمشكلات، هم عادة منفتحون ومستعدون لتجربة أشياء جديدة، كما يساعد الإبداع على توليد مجموعة من الأفكار البناءة التي تفيد الأفراد والمجتمعات في عديد من المجالات، وتتميز عملية الإبداع بكونها من العمليات العقلية التي لا تتطلب تنفيذًا على أرض الواقع، أي أنها لا تحتاج إلى تكاليف مادية على عكس عملية الابتكار التي تحتاج ذلك.
صفات الشخص المبدع
طب من هو المبدع وما هو الإبداع؟ المبدع شخص لا يختلف كثيرًا عن الآخرين من حيث الطبيعة النوعية، لكنه يمتلك بعض الخصائص والصفات والقدرات الدالة على الابتكار والتحديث، لا أن الشخص المبدع له بعص السمات التي تميزه عن الآخرين التي تتمثل في “إحساس طفولي دائم بالتعجب والاستغراب، الانفتاح المستمر على البدائل، لا يخاف من الأفكار المستحدثة والجديدة، يقبل على المستقبل بقوة، قدرة على اختبار الأفكار الجديدة أي استنتاج العلاقات بين الأشياء، درجة عالية من المرونة في التفاعل مع الفكرة مهما كان مصدرها أي المرونة في التفكير، القدرة على توليد أعداد كبيرة من الأفكار الجديدة في مجال وزمن محددين”.
طب ما الإبداع؟ قدرة ذهنية تدفع الفرد إلى السعي والبحث عن الجديد وغير المألوف، هل هناك دوافع أو مسببات للإبداع؟ نعم وتتمثل أهم تلك الدوافع أو المسببات في كل من “دوافع شخصية، دوافع اجتماعية، دوافع الحاجة، في أوقات الأزمات أو عندما تشتد المواقف يكون الإبداع ضرورة”.
وانطلاقًا من مقولة أينشتاين “التخيل أهم من المعرفة”، فهنا نؤكد على أن المبدع شخص دائم التخيل، ولا يعترف الشخص المبدع ذو المقدرة على التخيل بالحواجز والقيود، فالتخيل قدرة على توفير درجة عالية من المرونة في التنويع والتلقائية في توليد الأفكار، فدائمًا يستحضر مواقف لم تحدث من قبل ويتوقع نتائجها، وهو حاسة أو صفة هامة للمبدع، فهي تنقله إلى قمة التفاعل الفكري بين قمة المستحيل وقاع الواقع ويحاول أن يجد مكانًا “مناسبًا” بينهما ينطلق منه.
كيف تكون مبدعًا ومبتكرًا
دعوتنا في هذا المقال دعوة للابتكار، فدعنا ننطلق سويًا لنرى كيف للشخص أن يكون مبدعًا ومن ثم مبتكرًا، في بداية رحلتنا نؤكد على أنه لكي يصبح الشخص مبدعًا فلا بد أن يترك ساحة المعركة الحياتية الدائرة حوله ويخصص وقتًا لنفسه، فلكي تخلق الإبداع بداخلك عليك أن تكون بمفردك بعض الوقت، اصنع لنفسك صومعتك الخاصة لتتدبر أمورك وتفكر فيها عندما تهاجمك المشكلات أو عندما تشعر أن وقت التجديد قد حان، في المحطة الثانية من رحلتنا على الشخص أن ينظر إلى الموضوع من زوايا مختلفة، إذ تساعده العزلة في أن يرى الموقف من زوايا مختلفة، لأنه استطاع أن يضع حدًا أو مسافة بينه وبين المشكلة، وهناك سوف يرى الأمور بمنظار واضح حقيقي ويعود إلى عمله أكثر حماسًا ولديه ما هو جديد وذو قيمة ويستطيع أن يقدمه للآخرين، في المحطة الثالثة من رحلة كيف تكون مبدعًا لا بد له أن يثق بكل فكرة حتى يجد سببًا لرفضها، فالشخص الذي يخاف من الخطأ يخاف من الأفكار الجديدة ولا يثق بها، إلا أن الشخص المبدع يثق بكل فكرة جديدة حتى يكون لديه سبب قوي لرفضها، في المحطة الرابعة من رحلتنا لا بد أن يؤمن الشخص بأن الإبداع وليد الصراع أي أنه يجب أن يتوقع صراعاً ذهنيًا في أثناء العملية الإبداعية، المحطة الخامسة والأخيرة من رحلتنا هي أن يقتنع الشخص بأن الأفكار غير المنطقية هي الطريق إلى المنطقية.
الاقتصاد الإبداعي وأهميته في تحقيق التنمية المستدامة
تجدر الإشارة إلى أنه يُحتَفل باليوم العالمي للإبداع والابتكار في 21 أبريل من كل عام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أجل نشر الوعي بأهمية دعم المبتكرين وتنفيذ أفكارهم لتقدم البشرية، وذلك لتعزيز الوعي بدور الإبداع والابتكار في تحقيق التنمية المستدامة، وتأكيد دور الصناعات الإبداعية في تنفيذ خطط النمو الاقتصادي والحد من الفقر.
كما ظهر مصطلح الاقتصاد الإبداعي، وهو مفهوم متطور يُبنى على التفاعل بين الإبداع الإنساني والملكية الفكرية والمعرفة والتقنية لأن الأنشطة الاقتصادية القائمة على المعرفة هي أساسًا التي تقوم عليها الصناعات الإبداعية، وتعد الصناعات الإبداعية اليوم من أكثر المجالات ديناميكية في الاقتصاد العالمي، كما تشكل الثقافة الإبداعية عنصرًا أساسيًا في التنمية المستدامة.
على مستوى الدولة المصرية فهي تتبنى استراتيجية التنميـة المستدامة “رؤيـة مصـر 2030”. مفهـوم التنميـة المستدامة إطـار عـام يهدف إلى تحسـين جـودة الحيـاة في الوقـت الحـاضر بما لا يخـل بحقـوق الأجيال القادمـة في حيـاة أفضـل، ومـن ثـم يرتكـز مفهـوم التنميـة الـذي تتبنـاه الاستراتيجية عـلى ثمانية محاور أساسية، يتمثل المحور الرابع من هذه المحاور في المعرفة والابتكار والبحث العلمي: وهو يتلخص في الاستثمار في البشر وبناء قدراتهم الإبداعية، التحفيز على الابتكار ونشر ثقافته ودعم البحث العلمي، تعزيز الروابط بين التعليم والبحث العلمي والتنمية.
هناك مؤشر للابتكار يعد أداة قياس رئيسية بالنسبة إلى مديري الأعمال وواضعي السياسات ومن يهتمون بحالة الابتكار، ينطوي مؤشر الابتكار على مؤشرين فرعيين “مؤشر مدخلات الابتكار، مؤشر مخرجات الابتكار”، وتخضع فيهما عوامل الابتكار لتقييم مستمر.
أهمية الإبداع والابتكار
يعد كل من الإبداع والابتكار مفاتيح توليد الأفكار ومن ثم أساليب جديدة لتحسين السلع والخدمات، والتفكير الإبداعي والابتكار مفيدان بخاصة في أثناء التخطيط ووضع استراتيجيات للمنافسة، كما يؤثر كل من الإبداع والابتكار على الاقتصاد تأثيرًا قويًا، إذ إن أحدهما يُولِّد الأفكار والآخر يعمل على التجديد المستمر لها، لذلك يؤثر كلاهما على الاقتصاد بدرجة كبيرة، لأنه عندما يُطبَّق الابتكار والإبداع في عمليات العمل وتطوير المنتجات والخدمات، يؤدى ذلك إلى تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص اقتصادية جديدة، إذ يؤدي ذلك إلى زيادة الاستثمارات وتوفير مزيد من فرص العمل، كما يمكن للإبداع أن يساهم في تحسين سرعة الإنتاج وجودة المنتجات وتقليل التكاليف وذلك بتطبيق أفكار جديدة وتقنيات مبتكرة، تؤدى إلى تحسين عمليات الإنتاج وزيادة الكفاءة والتنافسية في السوق وتعزيز التنافسية والاستدامة.
كما يساعد الإبداع والابتكار على خلق فرص عمل جديدة وذلك عن طريق ابتكار أساليب إنتاج مبتكرة وطرق حديثة تساهم في فتح مجالات عمل جديدة، كما أن الإبداع في المجال الإداري وتطوير أفكار جديدة يساعد على تعزيز الخبرة والكفاءة عند الشخص المبدع، كما يساعد الإبداع في توفير المال مما يرفع اقتصاد الدولة ويؤثر إيجابيًا على المجتمع، فعن طريق تعلم الناس لكيفية صنع الأشياء بأنفسهم يقل احتياجهم لإنفاق المال على عملية الشراء.
في النهاية نود التأكيد على أهمية الإبداع والابتكار، فمن دون المبدعين وأفكارهم المختلفة وخبراتهم لما وجدت أيًا من التكنولوجيا الموجودة حاليًا، ولقد حقق الابتكار كثيرًا من الإنجازات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والعِلمية بفضل أولئك المخترعين والعلماء والمبدعين ممن يمتلكون القدرات، بما اخترعوه من آلات وتقنيات وما وضعوه من أنظمة وقواعد وقوانين نظمت حياة الناس، وساهم ذلك في تحسين الحياة الإنسانية وتحقيق الاستقرار والأمن الاجتماعي والاقتصادي، إلا أن الإبداع والابتكار يحتاجان إلى بيئة تتقبل الإبداعات ومشجعة على التجديد، وخالية من العراقيل التي تعيقه، وإدارة تحث موظفيها على الإبداع والابتكار.
اقرأ أيضاً:
الحل في الإيجابية والبحث والإبداع
ألوان الاقتصاد في خطط التنمية المستدامة
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا