الألقاب العلمية في بلادنا العربية .. حرمات مستباحة
انتشرت في الآونة الأخيرة في كثير من بلادنا العربية ظاهرة استباحة الألقاب العلمية والأكاديمية والمهنية بشكل مثير للقلق، ومبعث هذا القلق يعود إلى أن مستخدمي هذه الألقاب غير مستحقين لها وغير مؤهلين لحملها، وإنما يستخدمونها من باب الوجاهة والاستعراض فقط لا غير، ومن ثم فقدت تلك الألقاب بريقها، وصارت مستباحة بلا ضوابط لمن استخدمها دون وجه حق،
وإليك أمثلة لهذه الألقاب في كل بلادنا العربية على السواء:
– (الإعلامي فلان، والإعلامية فلانة) وكلاهما له صفحة على الفيس بوك أو تويتر أو غيرهما ينشر من خلالها مجموعة من الأخبار مع مجموعة من الفيديوهات مدعيا احترافه مهنة الإعلام ملقبا نفسه أو ملقبة نفسها بالإعلامي أو الإعلامية.
– (الدكتور فلان، والدكتورة فلانة) لمجرد حصولهما على إشعار من أي كيان وهمي يدعي منحهما لقب دكتور ببضعة دولارات ترسل لحساب أحد الكيانات الوهمية عبر صفحات التواصل، وترى هؤلاء يتبوءون مناصب ومنصات تحت مسمى الدكتور أو الدكتورة.
– (المستشار فلان، والمستشارة فلانة) لقب سهل الحصول عليه من خلال دورات وهمية أون لاين لكيانات وهمية تمنح المنتسب إليها تلك الشهادات التي لا أصل لها ولا اعتراف بها من أي جهة رسمية أو غير رسمية.
– (الخبير التربوي والاستراتيجي فلان، والخبيرة التربوية والاستراتيجية فلانة) وكلاهما لا علاقة له بالتعليم أصلا سوى بريق اللقب الذي تمنحه جهة تعليمية مجهولة الهوية عبر منصاتها الرقمية.
– ( أخصائي وأخصائية التخاطب، والإرشاد الأسري، والعلاقات الزوجية، والمستشار النفسي التربوي، وخبير الدمج التعليمي، وخبير الحوار والإتيكيت الإنساني.. إلخ).
ألقاب كثيرة تنسب لمن لا يستحقونها في غياب الرقابة والمساءلة والمتابعة، وهنا يأتي تساؤل مهم ألا وهو: ما خطورة الإفراط في استخدام تلك الألقاب التي ذكرت وغيرها دون وجه حق؟!
وتكمن الإجابة عن هذا التساؤل فيما يلي:
– تهميش قيمة العلم وامتهان العلماء الحقيقيين.
– سيطرة الفئات المتسلطة على زمام الأمور في كثير من بلادنا العربية اعتمادا على تلك الألقاب الوهمية.
– سيطرة اليأس على نفوس الطامحين والمبدعين من أبناء الأمة العربية؛ إنهم يشاهدون الغوغاء يتسلقون مراتب المجد الزائف مستخدمين بريق الألقاب الوهمية التي زينت تطلعاتهم الخبيثة في إظهار أنفسهم بمظهر التميز والرقي.
– امتهان مؤسسات العلم المانحة لتلك الشهادات، والتي ضرب بتوصياتها عرض الحائط حينما تجرأت ونادت بضبط الأمور وإعادتها إلى نصابها تحت المراقبة والمساءلة والمتابعة.
– إحساس العلماء بفقدان الرغبة في مواصلة التميز؛ إنهم يرون المجتمع يهمش وجودهم ويهرول وراء أولئك الذين سرقوا الألقاب العلمية وصاروا واجهة للمجتمع.
– غياب الثقة الدولية في مؤسساتنا التعليمية العربية والتي للأسف يتاجر بعضها بمنح شهادات لمن لا يستحقونها.
تلك أبرز الآثار السلبية المترتبة على فوضى انتشار الألقاب العلمية والأكاديمية لمن لا يستحقونها، ويتبقى التساؤل الأخير وهو: كيف نصون قدسية الألقاب في مؤسساتنا التعليمية العربية؟
وتكمن الإجابة عن هذا التساؤل في توظيف الآليات التالية:
– فرمان تشريعي يمنع منعا باتا ادعاء ملكية تلك الألقاب دون وجه حق، ومن يثبت عليه ذلك يخضع لجملة من العقوبات الصارمة الرادعة.
– إخضاع اللوائح والضوابط التي تمنح الكيانات الوهمية حق الانتشار عبر منصات التواصل الاجتماعي للمساءلة والمحاسبة والمراقبة، والغلق التام لكل من يتجرأ على استخدامها دون وجه حق.
– شن مجموعة من حملات التوعية والتوجيه والتنويه إلى خطورة الإفراط في استخدام تلك الألقاب دون وجه حق.
– توعية المجتمع بالآليات السليمة للتواصل مع المؤسسات الرسمية المخول لها سلطة منح هذه الألقاب وفق الآليات والممارسات المعتمدة والمعترف بها محليا وإقليميا وعالميا، ومن خلال مؤسسات أو منصات حسنة السمعة.
– دعم برامج الدراسات العليا في كل جامعاتنا العربية، وتوحيد آلية الدراسات العليا في كافة البلاد العربية.
– تمكين المبدعين والعباقرة من الاستفادة من المزايا التي توفرها الجامعات العربية لاستثمار تلك الكوادر المميزة.
إن الحديث عن هذا الأمر حديث ذو شجون، فهل تعود للألقاب العلمية والأكاديمية في بلادنا العربية قدسيتها وقيمتها ومكانتها ؟!