الأعمى ومبتور الذراعين!
ثمة قصة طريفة عن شخصين متلازمين قسرًا: «الأعرج» و«الأعمى»، لقد أُصيب كلاهما في حادث، فقـُيـّد الأول بكرسي متحرك، فهو في حاجة إلى من يدفعه، في حين فقد الثاني بصره فهو في حاجة إلى من يُوجّهه.
لقد ارتبطا معًا بمصير واحد، وباتا يعتمدان على بعضهما البعض وإن اختلفت أهدافهما، أرادا ذلك أم لم يُريدا. تُستخدم القصة عادةً لوصف طبيعة العلاقة بين العلم والفلسفة؛ العلم بدون فلسفة أعمى، والفلسفة بدون علم عرجاء!
لكن القصة تُستخدم أيضًا كتمثيل لضرورة العمل الجماعي وقوته؛ ما من نجاحٍ حققه البشر إلا كان ثمرة تعاونٍ جاد واعتمادٍ متبادل يدعمه إيمانٌ بالفكرة: بهذا العمل التعاوني –الذي هو جوهر الوجود الاجتماعي– يكتب بعض البشر التاريخ، بينما يتركون للبعض الآخر قراءته!
جيا هياكسا وجيا وينكي
Armless Man and His Blind Best Friend Have Planted More Than 10،000 Trees in China – DavidWolfe.com
Source: https://www.davidwolfe.com/armless-man-blind-friend-planted-10000-trees
إذا تأملنا مشهد المساحات الخضراء المليئة بالأشجار المورقة في قرية «يلي» Yeli التابعة لبلدة «سونزهوانغ» Sunzhuang (بإقليم «جينجكسينج» Jingxing – مقاطعة «خبي» Hebei بشمال الصين)، فمن الصعب أن نتخيل أنه منذ أقل من عقدين فقط كانت سهول تلك القرية تُغطيها الصخور والأعشاب الضارة، وتضربها الفيضانات من حينٍ إلى آخر.
ويرجع هذا التحول –الذي وصفه الخبراء والمعنيون بحماية البيئة بالمعجزة– إلى العمل التعاوني الفعّال لما يقرب من عشر سنوات لرجلين مُسنين أحدهما أعمى والآخر مبتور الذراعين ، حيث تمكن هذا الثنائي الفريد من زراعة عشرة آلاف شجرة في المنطقة المحيطة بقريتهما في محاولة للحفاظ على البيئة الطبيعية وإعادة الحياة إلى الأرض الجرداء.
الأول يُدعى «جيا هياكسا» Jia Haixa، ويبلغ من العمر 53 عامًا، وقد وُلد مُصابًا بإعتام في عدسة العين اليسرى أعجزه عن الرؤية بها، ثم فقد عينه اليمنى في حادث عمل سنة 2000، أما الثاني، وهو «جيا وينكي» Jia Wenqi، ويبلغ أيضًا من العمر 53 عامًا، فقد خسر ذراعيه في حادث عندما كان عمره ثلاث سنوات.
ونظرًا لظروفهما التي أعاقتهما عن الحصول على فرصة عمل، قررا استئجار ما يزيد على ثمانية أفدنة من الأراضي الواقعة قرب ضفة النهر من الحكومة المحلية، بهدف غرس الأشجار للأجيال القادمة. وتمكنا في سعيهما لتحقيق هدفهما من حماية قريتهما من الفيضانات التي كانت تهددها، ولم يحصلا سوى على دخل محدود من التمويل الحكومي.
قوة الاتحاد
على مدار ما يقرب من عقدين، كان الرجلان يستيقظان يوميًا في السابعة صباحًا، ليبدآ يومهما بجمع الشتلات وغرسها ورعايتها، ونظرًا لكونهما لا يربحان ما يكفي من المال لشراء الشتلات، فقد اعتمدا على أخذ قصاصات من الأشجار المزروعة لزراعتها وفق نظام فريد من العمل المشترك،
لقد تعلما كيف يمكنهما تشكيل فريق عمل ثنائي للتغلب على إعاقتهما، فمبتور الذراعين يحمل الأعمى ويوجهه لعبور النهر وتسلق الأشجار لقطع أغصانها التي ستصبح أشجارًا جديدة، والأعمى يعمل بيديه مسترشدًا بعيني مبتور الذراعين!
الرجلان كانت تعلو وجهيهما دائمًا ابتسامة انتصار اللون الأخضر، وسعادة تحقيق الهدف الذي عملا من أجله ليضيفا شيئًا لأجيال قطعًا ستشكر لهما صنيعهما، ولفت أنظار الآخرين إلى أن الوطن ملكٌ لنا جميعًا، لن يُبنى إلا بأيدينا الملتحمة في ثبات وقوة!
ما بال أيدينا إذن في العالم العربي تمتد، لا لتزرع بل لتقطع، لا لتبني بل لتهدم، لا لتعيد الحياة بل لتقتل، لا لتتصافح بل لتولي مستنكرةً الآخر؟ كم لدينا من أعين مبصرة لكنها لا ترى سوى مصالحها الوقتية الزائلة، وكم لدينا من أيدٍ سليمة لكنها لا تنشد إلا الموت لمن خالفها الرأي! ماذا قدمنا للأجيال القادمة سوى الفساد والعُري والتخلف والجهل والبيئة المشوهة؟