مقالاتأسرة وطفل - مقالات

اتغدى بيه قبل ما يتعشى بيك – ألم ترى مثل هذه الأشياء في مسلسل الأسطورة؟

الأسطورة وحق القوة

طبعا لا أقصد من العنوان مسلسل الأسطورة الذي كان أشبه بطقس كهنوتي لأفراد الأسرة يتم جمع العائلة للالتفاف حول شاشة التلفاز ومشاهدة مسلسل الأسطورة الذي أثرى حياتنا الثقافية! فأصبح العدل هو القوة الجبرية وأصبح من يريد أن يأخذ حقه يلجأ للعنف الجسدي والسباب اللفظي وهمجية القرون الأولى لكي يحصل على ما يريد!

تلك هي الحقيقة التي يريد الإعلام تثبيتها لدى طائفة الشباب وحديثي السن من ضرورة أن يكون الصوت جهوريًا مرتفعًا وأن أتلفظ بهمجية، وأن أسلك سبيل المجرمين، فالحق لا يؤخذ إلا بالهمجية والبلطجة، وتلك كانت الطامة الكبرى فأصبح لدينا جيل مفرغ من كل القيم والأخلاق الفطرية التي تم محوها بهذا السيل من الأفلام والمسلسلات بل والإعلانات التي تلعب على وتر العواطف ووتر العقل الباطن من تصوير السعادة على أنها هي المادة وتملكه؛ فعندما تتملك تشعر بالسعادة، عندما تحصل على المشروب أو علبة السجائر الفلانية أو هذا المشروب الذي هو رمز ومرادف للرجولة، عند ذلك تحصل على السعادة واللذة الدائمة.

الإعلام والأسطورة

والأسطورة التي يجيش لها الإعلام وأجهزته الضخمة هي أسطورة أن التملك المادي هو السبيل نحو السعادة واللذة والرفاهية، وأن البلطجة هي رمز الفتوة والشباب، ومن يريد أن يكون رجلا عليه أن يلتمس سبيل أبطال الأفلام والمسلسلات الذين أصبح معظم أبطالهم هم الأسطورة في نظر الناس، رغم أنهم إما مجرمون وبلطجية أو تجار مخدرات ومحترفي سرقة، فغالب الأمر أن يصور الفيلم أو المسلسل أن البلطجة هي سبيل الاحترام بمعنى أن الأفراد ينظرون إلى البلطجي على أنه يستحق الاحترام مهابة له.

والحاصل في معظم الأفلام الحديثة تصوير الحياة على أنها عبثية لا سبيل إلى أن تحيا مفرغًا عقلك وروحك للمادة فقط، فالمادة هي المعبود الأول، هي ما يجب أن نشحذ الطاقات له وإشباع الجسد بكافة الملذات من طعام وشراب وجنس، فنسبة كبيرة للأسف من الشباب كل مبتغاهم هو الأمور السابقة، وهذا ما كرسته منظومة الإعلام من تفريغ لكل القيم ومحوٍ للأخلاق الفطرية التي جبل عليها الإنسان.

غابت الأسرة والمدرسة

والمشكل الأساسي مصدره أن الأسرة والمدرسة اللذين هما مصدر رئيسى للتربية، قد تم اختزال دورهما؛ فالأسرة كل ما يعنيها هو توفير المطعم والمشرب والتعليم فقط دون ترسيخ للمبادئ والقيم وتعليم النشء ما يجب من أخلاق وما لا يجب، فالهَمُّ الأكبر هو أن يكون الملبس أجمل ما يكون وأن أعطي طفلي من مال لكي يكون مثل أصحابه، فالأب -لضغوط الحياة- أصبح للأسف دوره منحصرًا في توفير المال، والأم مشغولة بكيفية عمل التوليفة اللازمة لكي تحقق معادلة المصروفات والدخل الوارد من عمل الزوج.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فالحياة أصبحت دائرة ندور حولها ولا ندري ما الذي نريده من الحياة فقد غيبنا للأسف في طاحونة المعاناة، فالأب يعمل ليل نهار لا وقت لديه والأم نفس الشيء لا وقت لديها. هنا الطفل لا يجد من يوجه دفته فتختل منظومته القيمية ويصبح الشارع هو منبع شخصنة الفرد وتكوين شخصيته وذلك لتفريغ الجانب الثاني المفترض فيه ترسيخ القيم ألا وهو المدرسة فالأساس أن تكون مسئولية المدرسة التربية والتعليم لكن الحاصل أنها لا تربية ولا تعليم فالتجارة هي مسئولية عدد لا بأس منه من المعلمين، فالمعلم أصبح تاجرًا يوظف مهارته في استقطاب زبائنه من الطلاب؛ فمن يريد أن ينجح يجب أن يأخذ دروسًا خصوصية، فمهمة التعليم والتربية الموكل بها المعلم أصبحت في خبر كان.

أعلم باني أفتح الجروح بقسوة لكن التغافل عمَّا نعانيه من اندثار للقيم ومنظومة الأخلاق التي تربينا عليها هي جريمة، فيجب المكاشفة والمصارحة إن أردنا أن نستعيد تلك المنظومة في بيوتنا وفي مدارسنا وفي مجتمعنا الذي نعيش فيه، فهناك ما يسمى الضمير الجمعي وهو ضمير المجتمع وهو المحصلة لقيم وتوجهات الأفراد الذي إن اختل هذا الضمير وغيِّب فلا مكان للفضيلة والأخلاق وأصبح مفهوم المادة هو المسيطر على التوجهات والقيم الجمعية.

ماهو الحل؟

والحل هو أن نعود لأصولنا وجذورنا التي تربينا عليها، يجب علينا تفعيل منظومة الأخلاق في أنفسنا وتربية وعمل قاعدة للنشء لتأصيلها لديهم، يجب أن نعلمهم معنى الأخلاق ما هي؟ ما الذي يميزني كإنسان؟ ما الفضيلة؟ ما الخير وما هو الشر؟ كل تلك القيم هي ما يجب أن نربي عليها أبناؤنا ويجب علينا أن نتعلم كيف نستقي القيم وكيف ننقد كل قيمة لنعلم هل هي صحيحة أم خطأ؟ ولا يتأتى ذلك إلا بالاطلاع والمعرفة وتطبيق ما تلقيناه ووضْعه في حيز التنفيذ، فوضع قواعد بينة هي ما يجب العمل عليه؛ فعن طريق تلك القواعد يمكن أن نربي جيلًا يستعيد الأمجاد المفقودة.

طالع أيضا:

 ثقافة القطيع

جئت لأجيب عن السؤال.. من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟

غريب أمركم أيها الماديون

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

!!

محمد سليم

عضو بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالإسكندرية