اكتشاف النار – الجزء الأول
ما النار؟ ومما تتكون النار؟ لا أحد يعلم غير أنها القوة الطبيعية التي لا يمكن احتوائها، ولكن البشر لم يستسلموا منذ أن اكتشفوها وظلوا من وقتها إلى يومنا هذا في محاولات مستمرة لترويضها، والسيطرة عليها بما يحقق نفع البشرية وصلاحها.
لقد كان بحق أعظم لحظة في تاريخ البشرية جمعاء اللحظة التي اكتشف فيها الإنسان البدائي النار، لقد فتنته بسحرها وفُتن بها وكانت هذه اللحظة هي شرارة البداية في تاريخ الإنسان مع النار وتأثير النار على الإنسان وتأثيرها عليها.
النار والطعام
كان الإنسان الأول يتناول طعامه نيئا قبل اكتشافة للنار وقيل أن الإنسان انتبه لفائدة النار في طهي الطعام بعد سقوط قطعة لحم منه مصادفة في النار فتناولها؛ فوجد أن طعمها ألذ وأحسن من تناولها نيئة، بعد ذلك بدأ الإنسان يتناول طعامه مطبوخا وإن كانت هذه القصة مجرد تخمين من المهتمين بهذه الفترة من حياة الإنسان أقرب بكثير من كونها تاريخ يسرد ذلك لأنه لم يكن هناك في هذه الفترة من حياة الإنسان تدوين للتاريخ بالمعنى المتعارف عليه اليوم؛ بل إن حركة التدوين التاريخية لم تبدأ إلا بعد هذا الزمن الأول بفترات كبيرة جدا.
كما أن الطعام المطهو بالنار وفَّر فائدة الصحة والوقت للإنسان الأول. فبفضل الطعام المطهو نمت أدمغتهم وكبر حجمها وازدادوا ذكاءًا لاستفادة الجسم من العناصر الغذائية الموجودة في الطعام بفضل الطبخ، كما أن الطعام المطهو بالنار جعل هضمها لا يستغرق أكثر من ساعة في حين كان الطعام النيئ يستغرق هضمه نحو سبع ساعات مما وفر مزيد من الوقت للإنسان الأول.
النار والحماية من الحيوانات المفترسة
للنار سحرا أثرت به على الإنسان ولم يفلت الحيوان من هذا السحر ولكنه سحرا لم تنجذب له كالإنسان بل فرت وخافت منه. لقد تنبه الإنسان الأول لهذا، وكانت النار هي سلاحه في ترهيب الحيوانات وإخافتها، وكلنا نعرف جيدا أن أشرس الحيوانات افتراسا لا تملك أمام النار حيلة إلا الفرار والهرب كالذئاب والدببة وغيرها من المفترسات، لقد كان البشر يتجمعون ليلا في حلقات تتوسطها النار ليلا للتدفئة أو لطهو الطعام أو للاستفادة من توهج النار لحمايتهم من المفترسات.
النار وتشكيل المعادن
لقد استخدم الإنسان الأول النار في تقوية مقدمة الرمح الذي يستخدمه في الصيد، وتوصل بعدها إلى صهر المعادن بالنار وصناعة السكاكين والخناجر والرماح الحديدية وغير ذلك من الآلات المستخدمة في الصيد وتقطيع اللحوم فيما يعرف بالعصر الحديدي، ثم بعد ذلك توصل بالنار لصنع السيوف وعمل الدروع بتشكيلاتها المختلفة لاستخدامها في الحروب.
وعرف الإنسان بالنار كيف يكون قويا مسيطرا مما سيكون للنار بعد هذا التطور أثرا ملموسا في الحضارات المختلفة اللاحقة على حياة الإنسان الأول وهذا ما سنعرفه فيما هو قادم من الكلام.