مقالاتقضايا شبابية - مقالات

يا ناس ابعتولي صراحة! – كيف تسببت في مشاكل مهولة؟

صراحة

أما اليوم فاجأنا الموقع بتطبيق «  صراحة » ولن أعرفه لأن أغلبنا في هذا الوقت تعرض له مباشرة أو من خلال آخرين. وهذا التطبيق نسخة متطورة من تطبيق سابق «آسك» أو اسأل! هذا التطبيق يعظم الكبر أكثر عندما أتاح للناس أن يكتبوا للفرد الرسائل التي تعبر عن رأيهم في الفرد «بصراحة» بطريقة مجهولة المصدر.

يبدو أن المسؤولين في موقع التواصل الافتراضي المشهور لم يكتفوا بالضرر الاجتماعي الذي نتج ومازال يتفاقم في المجتمعات وفي الأفراد من جراء استخدام موقعهم، هذا الموقع الذي يعزز العجب والأنوية والأنانية ويفرز في المجتمع النخب الزائفة التي قد تشتهر لأي شيء دون قيمة حقيقية.

يبدو أن القائمين على الموقع في «قعدة أنس» قرروا أن كل هذا الضرر غير كافٍ فظلوا يفكرون في إجابة سؤال «كيف نعمق الضرر أكثر ونعمق إحساس الإنسان بأهميته أكثر؟»، إلى أن تنبه أحدهم وقال « صراحة »! ومن منا يكره الصراحة، لكني هنا سأوضح الشيطنة المقصودة من وراء هذا التطبيق.

مشكلة صراحة

أولا: في رد على نقد جاء على بعض المقالات التي تنتقد التواصل الافتراضي ومواقعه، ورد إشكال: «كيف تنتقدون مواقع أنتم تستخدمونها للتواصل ولم نكن لنعرفكم إلا من خلالها؟» والرد هنا أنه لا إفراط ولا تفريط، كان من الطبيعي مع صيحة التكنولوجيا أن يخرج للساحة التواصل الاجتماعي وأن نستخدمه، ولو لم يخرجه لنا «زوكربرج» لأخرجه لنا غيره. فالعقل لا يهاجم الواقع «ما هو كائن» ولكن يسأل عن كيفية اعتبار والتعامل مع الواقع «ما ينبغي أن يكون؟».

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وعليه فواقع التواصل الاجتماعي كغيره في النظرة الأخلاقية هو نشاط إنساني اجتماعي يحكم عليه من خلال مقدماته والغاية منه، لا من مدى تطور تصميمه وخدماته التي يقدمها. فالمقدمات التي يؤسس عليها الشيء والغاية التي يستخدم من أجلها هو الحكم على القبح والجمال… كالسكين تماما. فهو لا خير ولا شر في ذاته…

فالتواصل بهدف اختصار الوقت ونقل المعلومات الحقيقية المفيدة وصلة الرحم والاطمئنان على الأهل والأحباب لا ضرر فيه، لأنه مؤسس على قواعد أخلاقية مقبولة ويحقق غاية نبيلة، بشرط عدم طغيانه على مهمات الإنسان الأخرى كما يحدث اليوم للأسف، لدرجة اختزال كل التواصل الاجتماعي في هذا الشق الافتراضي الجديد.

الإنجاز الزائف

النقطة التي نأخذها على هذه المواقع هو بعض الخدمات التي يقدمها والتي تدفع النفس لقياس مدى اهتمام المجتمع بها إحصائيا (الإعجابات والمشاركات وخلافه) والتي ليست فقط تعطي شعور انجاز زائف -لقد حظيت بـ 500 إعجاب، إذا لقد غيرت العالم- بل أيضا تعظم الإحساس بالأنا وتعطيك معيارًا ماديًا أيضا لقياس ذلك.

لقد صار من أسباب التفاخر أن نقول لدي كذا وكذا صديق وحظيت بعدد مشاركات لمقالي كذا وكذا أو أن أعيد نشر منشوراتي السابقة في محاولة لإعادة عرض البضاعة القديمة لعلها تحوذ إعجابات أكثر… إنه صراع الأنا…

لم يعد التواصل الافتراضي بل أصبح مختزلًا في عبادة «الأفاتار» الافتراضي أو الأنا الافتراضي. ناهيك عن الفرصة التي تتيحها مثل تلك المواقع للتواصل الصريح واللاأخلاقي بين الجنسين والذي يعارض القيم والأخلاق الاجتماعية. فهو باب خلفي سري للوصول للمعشوق والمحبوب أو لجذب انتباهه من خلال استراتيجية «ذيل الطاووس». وهذا رد قصير على من ينتقد فينا أننا نهاجم مواقع نستخدمها للتواصل، والحكم هنا واضح طبقا للمعايير التي نلزم بها أنفسنا، هل استخدامنا لها في الشق الجيد أم السيء؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أما اليوم فاجأنا الموقع بتطبيق « صراحة » ولن أعرفه لأن أغلبنا في هذا الوقت تعرض له مباشرة أو من خلال آخرين. وهذا التطبيق نسخة متطورة من تطبيق سابق «آسك» أو اسأل! هذا التطبيق يعظم الكبر أكثر عندما أتاح للناس أن يكتبوا للفرد الرسائل التي تعبر عن رأيهم في الفرد «بصراحة» بطريقة مجهولة المصدر.اسأل نفسك اليوم لماذا ستستخدم هذا التطبيق؟…

هل تريد سماع عيوبك؟

هل لأنك تريد سماع عيوبك لتتغير؟ وما الفرق بين أن تسمع عيوبك بطريقة مباشرة من شخص تثق فيه وبين أن تسمعها من شخص مجهول؟ لو كانت رغبة التغير لديك حقيقية ستهتم بما قيل ليس بمن قال وهل هو مجهول أم لا! أما أن تنتظر لتكتب لك الناس أشياء «بصراحة» عنك على هذا التطبيق، فهاك العيوب التي لاحظتها على هذه الطريقة.

أولا زيادة اهتمام المجتمع الافتراضي بالفرد والأنا مرة أخرى. بدأ التواصل الاجتماعي بالحساب الصغير الذي تضيف عليه أصدقاءك وصورك ومغامراتك وآراءك. كان امتداد للـ«شلة والصحاب» في «النت». وظهر فيها الـ «أنا» من خلال الإعجاب والتعليقات وخلافه.

فلما تضخم الموقع ودخلت فيه شخصيات مشهورة من المجتمع الواقعي واشتهر أيضا ناس من مواقع التواصل نفسها، قلت بؤرة الاهتمام بالفرد، وتحول المجتمع الافتراضي لنسخة شبيهة بالمجتمع الواقعي المملوء بالنكرات التي تستضيء بضوء النجوم المشهورة.

فكانت القطبية تجاه تلك الشخصيات والقنوات أكبر، لدرجة تحول صفحتك الشخصية (شئت أم أبيت) لصفحة إعلانات لتلك المشهورات، والتي إن لم تشاركها لن يزور أحد صفحتك ولن تحصل على جرعتك اليومية من الإعجابات والاهتمام الذي أدمنته.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هل اتضحت الرؤية ؟

هل وضحت الرؤية الآن؟ فلقد بدأت المواقع بتعويدك على جرعة «أنا» معينة دون قيد أو شرط. ثم بعد أن أدمنتها أصبحت تقول لك «لن أعطيك الجرعة إلا إذا نفذت شروطي ونشرت مقالات ومنشورات فلان أو علان».

و طبعا يقول ذلك ضمنيا لا « صراحة » وإلا انكشفت اللعبة. أما اليوم من خلال « صراحة » هو يحاول أن يعيد لك قدرًا ضئيلًا من الاهتمام بك (لا يشترط الإعجاب هنا) لأسباب شخصية فيك لا لما تنشره من أقول المشاهير وأخبارهم.

ثانيا ردا على نقطة أن هذه الردود ستساعدني على إصلاح نفسي ومعرفة عيوبي، نلاحظ أنه يفشل هذا الرأي عند التطبيق. ويتم تمييع وتخفيف أثر تلك الرسائل الصريحة عندما تعيد نشرها على صفحتك، مع دعوة رقيقة لصاحب الدعوة لأن يكلمك بصراحة ويفصح عن هويته وجها لوجه «بصراحة » لكي تناقشه. لحظة واحدة، لقد اعتقدت أنك تهتم بما قيل ليس بمن قال…

أتريد أن تغير ما بك من خطأ أم تريد أن تقنع من يعتقد أن بك هذا العيب أن رأيه فيك غير سليم؟ هل رأيت كيف التَوت وتاهت الغاية. دعني أصدمك أكثر، غالبا لن يرد صاحب الرسالة الصريحة ولكن ما ستجده هو وابل من الرسائل المحبوبة للقلب من الأصدقاء والمحبين فحواها في العموم «إنت جميل خالص، يا حرام، لا إنت مش كدا»، وأشياء من هذا القبيل التي تدمر عضو المرارة تماما عند قراءتها. لقد تاهت غاية «الإصلاح» في تطبيق خادع للـ « صراحة » فانغمس الإنسان في المزيد من الأنا والأنا والأنا…

كنت أنت الدمية

وأخيرا لن تأتيك كل الرسائل فيها الانتقادات اللاذعة، وهذا هو ما تراهن عليه. لا مانع في بعض الإعجابات السرية من الجنس الاخر «السيكريت كراش» والمزيد من الرسائل الممتدحة في عظمة سيادتكم وتفانيكم في خدمة المجتمع ومهارتكم المتفانية في«تحضير كوب القهوة السريعة ذو الرغوة الغنية» وغيرها من الإطراءات المنمقة التي يقول لك الموقع من خلالها ولكن بطريقة ضمنية «انظر كيف جعلتك تشعر أنك جميل وراض عن نفسك؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هيا استمر في استخدام الموقع وكن أنت الدمية التي أتلاعب بها على حساب مشاعرها ولهثها وطلبها للاهتمام لأحقق منها إيراداتي الضخمة ومكاسبي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية».

في النهاية نصيحة «صريحة»، لو أردت الصراحة، لا تذهب إلى « صراحة » واذهب لقريب صريح أو صديق أمين أو مربٍّ فاضلٍ عاقل في الواقع الاجتماعي لا في المجتمع الافتراضي وناقشه في عيوبك وضع معه خطة عمل للتكامل والعمل على النفس وتريضها وتزكيتها وفق رؤية عقلية شاملة وفاضلة لما هو كائن ولما ينبغي أن يكون.

اقرأ أيضا:

مواقع التواصل وعلاقتها بالكآبة والضغط النفسي.. كفاية يا عم بخ!

لم أجد السعادة إلا في عيون البسطاء .. ما علاقة البساطة بالسعادة؟ وكيف نسعد؟

عندما نتآكل من الداخل.. ماذا يفعل بنا الاكتئاب ؟

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

حسن مصطفى

مدرس مساعد في كلية الهندسة/جامعة الإسكندرية

كاتب حر

باحث في علوم المنطق والتفكير العلمي بمركز”بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث”

صدر له كتاب: تعرف على المنطق الرياضي

حاصل على دورة في مبادئ الاقتصاد الجزئي، جامعة إلينوي.

مقالات ذات صلة