مقالاتقضايا شبابية - مقالات

اذهب وكن عاشقًا …. العشق الكامل والمعشوق الكامل!

أتعرف العشق

عدَّل من هندامه للمرة الأخيرة مع نظرة سريعة على السطح العاكس للمرآة بجواره، قبل أن يشد أخوه على يده ليتشجع قليلًا، يخطو خطوات مترددة ليدلف إلى غرفة المكتب الذي يجلس خلفه رجل لم تأخذ السنون من ملامحه الوسيمة شيئًا لولا بياض شعره الذي غزا رأسه،”عماه” يتنحنح قائلًا بصوت مبحوح، ليرد عليه دون أن يرفع رأسه عن تلك الأوراق التي انهمك في مطالعتها: “نعم يا ولدي العزيز”، بدا الشاب مترددًا قليلًا في الحديث مع عمه حول الموضوع الذي قدم بشأنه، قبل أن يحسم أمره أخيرًا وقد عزم على الكلام مهما حدث، “أتعرف العشق يا عماه؟”،

بدا أن السؤال قد أثار انتباه عمه الذي رفع رأسه عن الأوراق، ينظر إلى ابن أخيه بتمعن قبل أن يسأله: “أنمت جيدًا بالأمس يا ولدي”، بدا له السؤال غريبًا وخارج إطار الحديث تمامًا، إلا أنه بما يحمله تجاه الرجل من احترام وتقدير وشعور غامر بالامتنان أجاب: “نعم”،

وقبل أن يستطرد قاطعه عمه مرة أخرى: “أكلت جيدًا اليوم؟”، بما تبقى لديه من قليل من الصبر وهو يطلق زفرة محملة بكل مشاعر قلقه وتوتره: “نعم”، “إذن فأنت لم تعرف العشق يا بني”،

بدا الضيق على وجه الشاب ويبدو أن الرجل قد أدرك ما يعتمل في نفسه فيستطرد سريعًا: “لو أنك نمت جيدًا وأكلت جيدًا فأنت لم تعرف العشق، من عرف العشق لن يبقى على حاله”، الشاب وقد بانت على ملامحه أمارات الفهم قبل أن ينهي عمه الحديث قائلًا: “اذهب وكن عاشقًا أولًا ثم عد للحديث”.

الإنسان يعيش لأنه يعشق

هكذا هو العشق وهكذا هي فلسفة العشق ، الشعور الأهم في الدوافع النفسية الإنسانية لكل شيء، فالإنسان يعيش لأنه يعشق، ويسعى لأنه يعشق، وحتى الموت يكون بالعشق،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فأنت إنما تحيا لأنك تعشق الحياة وتعشق وجودك، مع الآلام التي تصاحبه والتي لولا العشق لأهلكتك، وتسعى لأنك تعشق الفلاح ولو كان الدرب محفوفًا بالصعاب، وتقدم روحك فداءً بلا أدنى ذرة تردد لأنك تعشق الوطن والأهل والأحباب، أي فعل إنساني يرتبط ارتباط وثيق بالعشق، العشق القادر على جعله يغير طريقه وحياته كلية كي يتناسب مع هذا العشق .

ما الذي حمل هذا الأب على أن ينتهي من عمله المرهق الطويل ويختار عمدًا الطريق الأطول لمنزله؟ لا شيء إلا أنه بهذا الطريق يمر على محل الحلوى المفضلة لابنته الصغيرة، فلأجل عشق ابتسامتها الخلابة ولمعة الفرحة في عيونها المرحة تغير مسار عشية.

العشق وعلاقته بالدافعية

ما الذي حمل هذا الشاب على المذاكرة المجهدة وسهر الليالي في الاطلاع؟ ما هو إلا عشق النجاح والفلاح، أو ربما عشق تلك السعادة التي تغمر وجه والديه وهما ينظران إلى نتاج تربيتهما وقد أثمرت.

ما الذي حمل تلك الزوجة على أن تدع الراحة والدعة في نهار شهر رمضان المبارك لتطهو لزوجها وسط جو المطبخ الحار الخانق؟ لا يكون إلا عشق الزوج والرغبة في نيل رضاه.

هكذا يكون العشق دافعًا للعمل وسبيلًا لتحمل مشقته والصبر على جهده، ولكنه -للأسف الشديد- كأي شيء آخر في الحياة الدنيا، إن أسأت فهمه، أفسدته، وأفسد عليك حياتك،

فهذا الأب الحنون إن كان عشقه لابنته يغيب عنه المعنى والقصد الصحيح، وقع في مفسدة تدليله الزائد لابنته، فالعشق إن لم يكن عشقًا حقيقيًا صادقًا كان سلاح ذا حدين، لا تعلم إن كان قد سُلط لك أو عليك.

لمن يكون العشق؟

لفهم ذلك العشق ينبغي أن نعرف لم يكون العشق ؟ من المؤكد أن كل إنسان يعشق ما يرى فيه كمال أو جمال، فهذا الطعام أعشقه لما فيه من مذاق الذكريات، حين كانت تطهوه جدتي، فتجتمع العائلة أسبوعيًا؛ فنحظى بلحظات يهفو لها القلب من حين لآخر.

وهذا المكان أعشقه لما فيه من تناسق بديع سواه الخالق -جل وعلا-، ما بين ذلك الاخضرار المريح للقلب والعين معًا، والألوان المبهجة المختلفة للورود وكأن جمال الحياة قد تجلى بين بتلاتها.

وأعشق تلك الرفقة لما فيه صحبتهم الطيبة من ونس وألفة واستكمال نفسي وأخلاقي وسلوكي.

والإنسان المدرك لنفسه العارف بها حق المعرفة، يدرك أنها مع كل ضلالات الجسد وأوهام اللذات المادية، إنما هي تواقة لما تعطيه تلك الملذات الجسمانية من أثر في النفس،

السعي لعشق المعاني والقيم

فإنما سعيه بالحقيقة يكون لتلك الآثار المعنوية، فتهفو النفس لما يغذيها من الكمالات المعنوية القيمية، فكان العشق الحقيقي هو ما تحلى بتلك القيم المعنوية الدائمية، وما يكون منها من أخلاق ومبادئ، فإنما العشق الكامل يكون للمعشوق الكامل المتعالي عن كل نقص.

ففي حقيقة الأمر إنما النفس ساعية لعشق المعاني والقيم، وهو ما يتجلى فيما تراه فيمن حولك، فلن تجد من لم يصرح بحبه للعدل، أو عشقه للأخلاق الفاضلة، أو هيامه في النبل والكرم، ولكننا إن عدنا إلى ما قاله العم في البداية،

فكم منا -حقًا- عاشقًا؟ كم منا أذهب العشق الإلهي منه الجوع والتعب، وأحل بدلًا منه الشبع والسهر؟ هل منا من يستطيع ترك مصالحه الدنيوية طواعية والسعي فيما خُلق له من الالتذاذ بمكامن العشق من الأخلاق والمعارف؟ أو يستطيع مجاهدة نفسه فيما تشتهيه مرضاة لتلك القيم والمبادئ التي يتشدق بعشقها؟

هل منا من يستطيع الصبر على آلام الطريق؟! كذلك الأب الحنون ابتغاء مرضاة قلبه الذي ذاب عشقًا في الحق؟ هل منا من تغيرت حياته لمعشوقه الحق؟ ربما بعد الإجابة على تلك الأسئلة تتكشف لنا أننا بحاجة أن نكون عاشقين أولًا، حتى تهنأ النفس وينصلح لنا من أمر الدنيا والآخرة معًا، فاذهبوا وكونوا عاشقين .. تسعدوا.

 

اقرأ أيضاً:

الحب طريق الإنسان إلى الكمال

الحب في عصر ما بعد الحداثة

كمال الحب في حب الكامل

محمد صابر

مهندس حر

باحث في علوم التربية وفلسفة التعليم بمركز “بالعقل نبدأ”

دراسات عليا في كلية التربية جامعة المنصورة

حاصل على دورة إعداد معلم (TOT) من BRITCH FOUNDATION TRAINING LICENSE المعتمد من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية