اخلع حذاءك
القطار مليء بالركاب من كبار السن والأطفال والرجال والنساء، كل له مأربه، وإذا بطفل يجلس على حجر أمه ويبدو أن عمره لم يتجاوز أربعة أعوام، تلوح من عينيه البراءة والجمال؛ فكلما مر أحد بجواره يقوم بمداعبته وملاطفته، وإذا برجل تبدو عليه مظاهر الشقاء والعناء من الكد والتعب، ومع سوء ردائه هذا يقترب من الطفل ويبدأ بمداعبته فيتجاوب الطفل معه دون أي حرج، إلا أن الأم تبدو متحفظة ورافضة في قرارة نفسها له وقد بدا ذلك في عينيها نظرا لمظهره في الأغلب، فيذهب الرجل ويأتي رجل عجوز فيقف بجوار طفلها ويخرج من جيبه قطعة حلوى فيأخذها الولد ويبدو من الأم أنها غير مرتاحة للعجوز أيضا، ذلك الموقف كان مهما لنا حتى نفكر في اختلاف ردود فعل الطفل وأمه، بل الأمر أكبر من ذلك؛ فهذا الموقف يجسد دائما طريق تفكير من هم أكبر سنا، وقد ارتبطت نفوسهم بالعديد من المخاوف نظرا لتأثير تلك المواقف السلبية في وجدانهم مما جعلتهم يرون دائما الأمور على نحو سلبي ومتشائم في الكثير من الأمور وخصوصا استحضار الجانب السلبي، وعلى النقيض نرى الشباب في بداية أعمارهم وهم منفتحون على الآخر وعلى الأفكار دون أي قولبة متبنين لتلك الأفكار أحيانا، فيما يراهم من هم أكثر خبرة بأنهم مثاليون أو لا واقعيين.
لذلك تذكرت وصف أرسطو للمجتمع تجاه التغيير عندما وصف الشباب بالانفتاح تجاه القيم والمثل “وما ينبغي أن يكون” وذلك ربما بالنقيض مع بعض من هم أكبر سنا، وذلك الوصف إذا حللناه لوجدنا أن الخبرات لدى البعض تكون هي العامل الأكبر في إفساد فطرتهم، وأن الخبرات السلبية تترك انطباعا سلبيا في مشاعرهم وفي رؤيتهم للواقع وإذا أردنا أن نصل للعلة النهاية لتلك المشكلة لوجدناها تكون لخلل في التفكير مما يؤدي لأن يقع المرء في فخ التعميم للخبرات السلبية الحياتية مما تؤثر عليه في طلب الحق والسعي نحو وضع أفضل وأكمل فدائما ما يحدث التغيير، نرى للكبار موقفًا وللشباب موقفًا آخر مؤيدا للتغيير وناصرا له لذلك على المرء أن يدرك خطورة الأمر، فما نراه من كبار السن سنقع فيه لا محالة لو مررنا بتلك الأسباب التي أدت بهم لذلك، فالتفكير المنطقي دائما هو الحل حتى لا تنعكس الخبرات السلبية في بؤرة الشعور فالمشكلة تكمن في إدراك المرء لواقعه بالأساس وليس الواقع في ذاته.
لذلك رأينا الطفل أكثر انفتاحا من أمه فلا يقيِّم من خلال الظاهر أو الملبس وإنما بناءً على السلوك دون أي تميز على أساس طبقي أو غيره وهذا لا يمنع ولا يقلل من أهمية اكتساب الخبرة والمعرفة ولكن دون إصدار الأحكام المتسرعة والتي يطغى عليها الظن لا القطع.
فنحن أيضا في رحلة الحياة نمر ببعض التجارب والتي كنا نسعى فيها إلى تحقيق بعض الأهداف ولكن عند التعثر للوصول إليها نصاب بالإحباط وبل الأدهى أن تترك أثرا في النفس فتزرع في النفوس الخوف وتحصد لها الخيبة والخسران فينطبق عليها الحكمة التي تقول “قرنت الهيبة بالخيبة” للإمام علي، وهي أن الخوف الزائد يؤدي إلى الفشل فقد يكون من خلال الهروب من المواجهة وغيره وهذا ما أصاب مجتمعنا اليوم فعندما تسعى لطلب حق أو مكسب مشروع وتتعثر فلا تسعى مرة أخرى للمطالبة به ولكن على نحو مختلف بل تستسلم وتنقلب على القيمة والمثل أحيانا، فالحل هو أن نبدأ بالعقل ونسعى لتعلم علومه للخروج من تلك الدائرة لعلنا نخلع نعالنا ونتجرد في تحليننا للواقع ونتسلح بالموضوعية من خلال المنطق.