احذر يا صديقي
إياك أن تظن يا صديقي أنهم قد صفوا لك، ورضوا عنك، لا تكن ساذجا وسطحيا إلى هذي الدرجة، فما صفاؤهم ورضاؤهم إلا لأنك أعطيتهم ما يريدون، ومنحتهم ما لا يستحقون، وسبغت عليهم ما يصبون، وتنازلت لهم عن حقك فيما يرومون ويحبون.
ولتعلم يا صديقي أن أحضانهم الدافئة ما هي إلا أحضان أفاعٍ تنتهز غرة لتلدغك بلا هوادة، وتقتلك بلا رحمة، وما قبلاتهم العذبة إلا ريق سم زعاف مُحلّى بحبات من الشهد سرعان ما يزول أثره ويبقى خطره، وما قصائدهم الرنانة ومدحهم لك إلا كافوريات خادعة حتما ستنقلب إلى هجاء مقذع وسب مفجع، وما فخرهم بك إلا فخر المضطر لأنك صرت واحدا منهم، تسير في سابلتهم، وتتبع طريقهم، وتؤدي مصالحهم، وتشبع رغباتهم.
واعلم أنهم ما آكلوك إلا ليعرفوا سرك، وما آنسوك إلا ليخبروا أمرك، وما صافحوك إلا ليدركوا ضعفك، وما ربتوا على كتفك إلا ليوهنوا زندك.
فاحذر من قربهم، وإياك أن تغتر بضحكاتهم العالية وقفشاتهم الفاجرة، فما القوم إلا بقايا بغايا، وشرذمة من حرباوات البرايا، قد فسدت ذممهم، وضعفت هممهم، وزاد جشعهم، وبيعت أخلاقهم، وتكدرت مشاربهم، وتلونت صورهم، وكثرت أقنعتهم، وشاهت وجوههم، فجبلوا على التسلق وفطروا على التطفل، غير آبهين بقيمة، أو مهتمين بشيمة.
وكن على يقين أنك إن حاولت الاقتراب مما وهبت لهم بغير حق، أو كتبت سطرا في طرس هجائهم، أو أخذت درهما من ديوان عطاياهم، أو صندوق نذورهم، فحينذاك ستكون عاقبة أمرك خسرا، ومآل حياتك كدرا وعسرا.
تذكر يا صديقي.. كم من المرات قد بكيت بسبب ظلمهم، وحزنت لسوء فعلهم، وتألمت من غدرهم وفجورهم.. كم مرة كان الليل أنيسك، والأرق سميرك، والسهد سفيرك.
يا صديقي تعلم من أخطائك، وكن كيسا فطنا، وإياك أن تأمن لهم بعد أن لاح شرهم، وظهر غدرهم، ووقاحة فعلهم. صديقي، لقد لدغت منهم مرارا، وقاسيت منهم تكرارا، فخذ حذرك، وتولى أمرك، واحفظ سرك.