مقالاتقضايا شبابية - مقالات

ابق جائعا.. ابق أحمقا.. كن مختلفا!

كأنه اليوم الأخير

في محاضرة ألقاها سنة 2005 في حفل تخرج طلاب جامعة ستانفورد الأمريكية، قال « ستيف جوبز» Steve Jobs، مؤسس شركة أبل ورئيس مجلس إدارتها السابق «1955 – 2011»:

“حينما كنت في السابعة عشرة من عمري قرأت اقتباسا منطوقه: «إذا عشت كل يوم كما لو كان اليوم الأخير في حياتك، فسوف تكون على يقين في يوم ما من أنك قمت بالعمل الصحيح».

لقد تركت هذه المقولة أثرها الكبير في نفسي، ومنذ ذلك الحين، ولثلاثة وثلاثين عاما خلت من حياتي، كنت أنظر إلى المرآة كل صباح وأسأل نفسي: إذا كان هذا اليوم هو آخر يوم في حياتي، هل سأرغب في فعل ما أنا مقدم على فعله اليوم؟ وكلما كانت إجابتي «لا» على مدار عدة أيام، أعرف أني يجب أن أقوم بتغيير شيء ما.

لقد كانت الأداة الأكثر فعالية في مساعدتي على اتخاذ القرارات الكبرى طوال حياتي هي فكرة أنني سأموت قريبا. لأن كل شيء تقريبا يخفت في مواجهة الموت: كل التوقعات، كل الكبرياء، وكل الخوف من الفشل، كلها أشياء تتراجع أمام الموت، ليتبقى فقط ما هو مهم حقا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إن أفضل سبيل أعرفه لأن تتفادى الظن بأن لديك شيئا تخسره هو تذكير نفسك بأنك ستموت؛ وقتئذ تدرك مدى كونك عاريا بالفعل، وأنه ليس ثمة سبب يحول دون أن تلبي نداء قلبك.

الدليل الشامل للأرض

حينما كنت صغيرا، كـــــان ثمة كتاب رائــع عنوانه «الدليل الشامـــــــل للأرض» The Whole Earth Catalogue (صدرت طبعته الأولى سنة 1968)، وكان بمثابة أحد أمهات الكتب لجيلي.

كان من تأليف خريج جامعي يدعى «ستيوارت براند» Stuart Brand (من مواليد 1938). وقد نشره مزينا بلمساته الشعرية. كان هذا في أواخر الستينيات، قبل بزوغ نجم الحواسيب الشخصية والنشر المكتبي، أي أنجزه بالاعتماد على الآلة الكاتبة.

لقد كان هذا الكتاب بمثابة جوجل على الورق قبل أن يعرف العالم جوجل بخمسة وثلاثين سنة، كان كتابا مثاليا مليئا بالأدوات الفنية والأفكار العظيمة. وفي نسخته الأخيرة التي صدرت في منتصف السبعينات، حيث كنت في مثل سنكم، حمل الغلاف الخلفي للكتاب صورة طريق زراعية جميلة وقت الصباح، من النوع الذي قد تجد نفسك مستعدا للانطلاق فيه بسيارتك إن كنت مغامرا. وتحت هذه الصورة عبارة: «ابق جائعا، ابق أحمقا» Stay Hungry. Stay Foolish! كانت تلك جملة الوداع منه لقرائه”.

ما الذي تحمله كلمات « ستيف جوبز» من معان ودلالات؟!

الفكرة هنا هي التمسك بمنهج المحاولة والخطأ، افعل ما تحب، وكن جائعا بما فيه الكفاية، وأحمقا بما فيه الكفاية، لكي تخطو وتحقق شيئا ما. الطفل الذي يتعلم المشي لديه الرغبة في أن يبرح المكان الذي وُضع فيه لكي يكتشف ما هو أبعد من موضع قدميه، يتعثر ويسقط، لكنه ينهض ويصر على تكرار المحاولة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

قد يبدو أحمقا، وقد يثير سخريتنا فنطلق الضحكات ويعلو صخبنا من حوله، لكنه لا يأبه، بل هو مستعد لكي يبدو أحمقا مثيرا للسخرية، لأنه جائع للوصول إلى حيث يريد، جائع للتحرر من قيد المكان والزمان. فقط نحن البالغون، بأدمغتنا الكبيرة وقلوبنا الصغيرة، نخشى فعل ذلك، لأننا قلقون، خائفون من أن نظهر أمام الآخرين بمظهر سخيف أو أحمق!

كن جائعا كي تحظى بفعل شيء رائع، تلك هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تحصل بها على الأدوات اللازمة لمحاربة إخفاقاتك. قد تبدو أحمقا، وقد تثير سخرية الآخرين، لكنك يجب أن تكون مستعدا لذلك، أن تفشل مرة واثنتين وثلاث وعشر، وأن تشعر بالحرج، وأن تستمع لضحكات الآخرين غير مبالٍ، لكنك في النهاية ستصل، وستثير دهشة الإعجاب لدى من سخروا منك، واعلم أنك لن تعيش الحياة سوى مرة واحدة فقط، لذا عشها جيدا، وتتبع ما تريد مهما كانت صعوبة الأمر، حارب مخاوفك وحطم قيودك واستجب لنداء عقلانيتك وإن بدت للآخرين جنونا أو خروجا عن المألوف!

«ابق جائعا، ابق أحمقا»..

كم أتمنى الآن بعد رحلتي الطويلة في العمل الجامعي لو أنني كنت كذلك بالفعل، وكم أشعر الآن بالندم والحزن والغضب لأنني توقفت يوما حيث كان يجب أن أتحرك، وتراجعت حيث كان يجب أن أتقدم، وآثرت الصمت حيث كان يجب أن أتكلم وأصرخ، وصفقت لشخص ما حيث كان يجب أن أبصق عليه، واستسلمت لقيودي حيث كان من السهل لي تحطيمها..

أشعر بالندم والحزن والغضب لأنني خجلت يوما من أن أصرح بحبي لبعضهم أو استيائي وتقززي منهم، ولأنني استجبت لمخاوفي وانتصرت لعقلانية المجتمع اللاعقلانية على رغباتي وأفكاري وطموحاتي.

الآن، أقول لكل من هو على مشارف حياته العملية: أتمنى لك الشيء ذاته، وقتك فوق هذه الأرض محدود، فلا تضيعه في استلهام حياة شخص آخر، كن فخورا بإخفاقاتك قدر فخرك بنجاحاتك لأنها تجسد إصرارك، لا تدع ضجيج الآخرين أيا كانوا يطغى على صوتك الداخلي، امتلك الشجاعة لتلبية نداء قلبك وحدسك، فهما فقط يعرفان ما تريده.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

«ابق جائعا، ابق أحمقا».. ابق جائعا، نهما لتحصيل المزيد والمزيد من المعارف والعلوم واكتشاف العالم، ابق أحمقا، لديك الشجاعة لفعل ما يبدو فعلا أحمقا للآخرين، كن مختلفا!

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضاً:

مفهوم النجاح بين الحقيقة والتوهم

شماعة التبرير والابتعاد عن طريق النجاح 

إن كنت محبطًا ولا ترى أملاً، فاقرأ هذه الكلمات

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أ. د. صلاح عثمان

أستاذ المنطق وفلسفة العلم – رئيس قسم الفلسفة – كلية الآداب – جامعة المنوفية

مقالات ذات صلة