مقالاتقضايا شبابية - مقالات

إن كنت محبطًا ولا ترى أملاً، فاقرأ هذه الكلمات

وسط الأحداث المتعاقبة المليئة بالمعاناة والألم، والإخفاقات المتلاحقة التي تهمس في الآذان بأصوات شتى من المهانة والإحباط والفشل، واللحظات العصيبة القاسية التي تحبس الأنفاس وتسترجع الآلام الماضية التي تَعَامت النفس عن إدراكها، وسط المواقف المليئة بالخذلان والحسرة التي تُوهن النفس، والآمال المعلقة الهزيلة التي تدرك هشاشتها شيئًا فشيئًا؛ فتكاد ترى سقوطها أوضح من سطوع الشمس، وسط ذلك كله يأتي أحدهما ليهمس لك في أذنك أن الأمل الحقيقي موجود!

ما هو هذا الأمل الذي تتحدث عنه يا هذا؟ ألا ترى الواقع وآلامه؟ أم أنك تحاول خداع نفسك وتسكينها لهول ما تشاهده؟ نعم أتفهمك! قد تجد صعوبة شديدة في تصديق ذلك؛ فالحديث عن الأمل والتغيير للأفضل بات حديثًا ساذجًا الآن، بل قد ينعته البعض بالوقاحة والسفاهة!

الفارق بين الأمل الوهمي والأمل الحقيقي

ولكن هذا كلام بعيد تمامًا عن الصحة يا عزيزي، برغم تصنيفك الآن أنه يكاد يكون مستحيل. نعم أدرك معاناتك، وأشعر بآلامك، فأنا زميل لك في هذه الحياة؛ أتجرع من نفس الكأس المُر الذي تذوقه وتشتكي هول مرارته، وقد أتقاسم كؤوس مَن أحبهم ومن أرعى شؤونهم كذلك، فأشرب ثلاثة كؤوس يوميًا بدل واحد، ولكن ربما انكشف لي من الفهم ما ينتظرك، فلتسمع مني تلك الكلمات فربما هي شفاء ومدد.

الأمل -يا عزيزي- الذي يتحدث عنه الناس يستحق ما يوصف به، فهو أمل وهمي لا أساس له، ولا يُصدق به إلا غافل. فهم يتحدثون عن حياة تصفو لك فجأة، بلا مشاكل أو اضطرابات، لا تشعر فيها بالكروب أو النكبات، ولا ترى فيها مكروه أو شدة، جميع الناس تعيش بسلام تام وألفة، وما ذلك إلا الوهم عينه ولا يدل إلا عن جهل بحقيقة الحياة وطبيعتها.

يحدثونك كذلك عن التغيرات السحرية التي تقلب أحوال الأشخاص والبلدان في لحظة واحدة من القاع المظلم إلى السطح الشفاف اللامع دون أية خطوات أو مراحل أو علل وأسباب! هذا ليس من الأمل في شئ، هذا محض وهم لا ينال منه صاحبه إلا المزيد من الألم. الأمل الحقيقي هو كالبيت القائم جدرانه على أسس راسخة متينة ثابتة لا تتزعزع، فمهما اشتدت -حوله- الرياح العاصفة والأمطار المزلزلة، لا يضطرب ولا يتحرك له ساكنًا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كيفية الوصول لمرحلة الأمل الحقيقي الثابت

ألمحك -يا عزيزي- تمتعض وتلوي شفتيك وتكاد تقرر عدم استكمال القراءة، فكيف يمكن أن نبني بيتًا كهذا! الحقيقة أن الأمر ممكن، وقد نجح أُناس قبلك في ذلك، ولكن الأمر يحتاج جهد لبنائه، فإليك قانون آخر من قوانين الحياة بعد القانون الأول بحتمية المعاناة، ألا وهو حتمية بذل الجهد لنيل المطالب. لعلك تعترض وتقول أن الكثير من الناس تجتهد فعلاً ولكن لا تنال إلا المزيد من التيه والخسران!

نعم -عزيزي- هذا صحيح، فالجهد ليس الشرط الوحيد لبناء القواعد الراسخة المتينة للبيت، هو ضروري ولكنه غير كافي، فالشرط الآخر الضروري هو المادة الخام التي تستخدمها في بناء تلك القواعد، فإنك إن استخدمت مادة خام هشة، وبذلت كل الجهد الممكن فيها، فإنها لاتزال هشة ولن تقوى على حمل لبنة واحدة، وسيهوى حينها البيت فوق رأسك وتلعن الجهد والأمل، وهم من ذلك أبرياء.

لابد أن تجد مادة خام قوية متينة لتبني بيتك؛ فإن بذلت حينها الجهد المناسب نجحت في هدفك. عزيزي لا داعي للتأفف، سَأُكمل حديثي وسأوضح مقصدي، أرجو فقط أن تمهلني جزءًا من الوقت والصبر.

الأمل الحقيقي يحتاج معلومات حقيقية لبنائه وهي المادة الخام الأمتن، لا أوهام وأساطير أو حتى ظنيات ضعيفة، تلك المعلومات الحقيقية واحدة تلو الأخرى تبني أفكارًا واضحة مؤكدة لا مجال للشك فيها؛ يهرع إليها العقل كلما شعر بالضعف فتقوي الذهن وتثبت القلب كلما لاح اليأس في الأفق أو اضطرب البال من تتابع الأزمات والمشاكل.

الحكمة من الألم والمعاناة

منشور واحد تقرأه على الفيسبوك ليس كافيًا لبناء الأمل الحقيقي ، كذلك فيديو واحد أو كلمات بسيطة تسمعها من صديقك لا تكفي لاستقرار ذهنك واطمئنان قلبك أنَّ هناك مخرج من كل تلك المتاهات والمصاعب المستمرة، فلا تهين عقلك وتبني أملك على تلك الأفكار البالية الوهمية ثم تلعن بعدها الأمل!

يا عزيزي المشكلة في بنائك أنت. عندما تريد أن تقتنع أن هناك مخرج من كل ذاك الضيق الذي أنت فيه، لابد أن تدرك أولاً أن هناك إله أوجدك في هذه الحياة لحكمة، وأنَّه إله عادل لا يظلم، وإله عليم ليس بجاهل، وقادر ليس بعاجز، فإذن هو سمح بكل تلك المعاناة والضيق في هذه الحياة لتساعدك على بلوغ الحكمة المرادة من وجودك وخلقك.

أضف إلى ذلك أنه لا يمكن أن يحملك ما لا تطيق، ولا يمكن أن يتركك تُعاني وحدك مادمت لا تستكبر ومادمت تحاول وتجتهد أن تفهم حكمته وتتبع توجيهاته. يا عزيزي أنت تعاني هنا في الحياة؛ لأنها أصلا خٌلقت لذلك، حاول أن تبحث في عقلك عمن خدعك وقال لك أن الحياة راحة وأنك ستصل إلى نقطة استقرار تام بلا أزمات أو مشاكل، فلا يمكن أن تصفو لك الحياة بعبير الزهور الاستوائية اللامعة أو بنسيم البحر الهادئ طوال الوقت، هذا وهم يا سيدي.

أنت تعاني هنا لسبب، وإن تأملت بضع لحظاتك في فترات الرخاء والرفاهية لك ولغيرك لفهمت كثيرًا عن النفس البشرية وفسادها في الراحة، وأنها تحتاج للكروب والشدة لتخرج أفضل ما فيها، ولتفصح عن أسوء ما فيها ليتم تحديده ومعالجته، فلا تهمل المثال المشهور عن أهمية الألم في تحديد المرض الجسدي، فلولا الألم الذي يشعر به المريض لما عرف الطبيب العلة التي تصيب الجسد ولما عالجها.

فما لك والناس؟

ثم أنك يا عزيزي بعد إدراكك لذلك، تتحمس قليلاً وينشرح صدرك للخوض في مشكلات الحياة ومقاومتها وتحمل معاناتها؛ فأراك لا تلبس أن تعود ساخطًا لاعنًا أن هذا الواقع لا يمكن تغييره، وأراك تؤكد أن المعلومات الجديدة التي فهمتها صحيحة، ولكنها لا تمت للواقع بصلة، وأن الناس لا يمكن أن تتغير ولا أمل في ذلك!

مهلاً يا صديقي، لقد أصبحت صديقي نعم، ما توصلت إليه هنا يدل على عدم اكتمال بناء أملك الصحيح، مازال واهنًا يضعفه مواقف الناس وتصرفاتهم وعيوبهم، مازال يغالطك فيضعف همتك ويحاول أن يقنعك أن الأفكار مكانها في الكتب ولا مجال لها في أرض المعركة وهذا خطأ كبير.

لقد قرر الإله أن يمنح للناس في هذه الحياة حرية الاختيار، ففي كل لحظة يختار فيها الإنسان أن يتجه نحو الصواب أو الخطأ، وبناءًا على اختياراته يتحدد مصيره، فما لك والناس؟ لمَ لا تنشغل في رحلتك لتصلحها؟! فكل واحد منَّا لديه الكثير من العمل المطلوب لإصلاح نفسه واختياراته.

حدد مشكلتك واسع لإصلاح نفسك

فاحترم حكمة الإله، واسع لإصلاح نفسك مع محاولات مستمرة لإصلاح الآخرين. نفس هذا الإله الحكيم لا يمكن أن يترك الناس هكذا دون عناية، ولا يمكن كذلك أن يتركهم دون محكمة إلهية تحق الحق وتزيح الباطل، فتحاسب كل إنسان على اختياراته وعلى مدى مطابقتها للحق؛ فالحياة ليست عبثية ولا يمكن أن تكون كذلك، وفتش في رأسك عن الشكوك بأن الحياة عبثية واسأل نفسك مَن زرعها؟ أم هي سؤال يؤرقك منذ زمن بعيد ولم تعطه إجابة تُشفيه؟

هيَّا؛ حدد مشكلة بنائك وابدأ العمل. هذا الإله كذلك لا يمكن أن يترك الشر ينتصر ولو بعد حين، عقلاً لا يمكن، فمالك تُصدِّق زهو حضارة ما ظالمة وتعتقد في هيمنتها على العالم؟ آمن بالنهاية يا صديقي، وكلك يقين بأن الخير منتصر، واجعل همك كله في أن ينالك شرف المشاركة في انتصاره، أنت من تحتاجه لأنه بك أو بغيرك سيفرض نفسه على الجميع في النهاية.

هذا هو الأمل الحقيقي يا صديقي، هذا هو البناء العقلي الثابت المؤكد الذي لا يتزعزع مهما مرت عليك من صعوبات؛ بل إنك ستبحث وسط الصعوبات عن معناها وستمضي مستقرًا مطمئنًا فيها برغم مرارتها وكدماتها وخدوشها، هذا البناء هو الحصن المنيع وسط شلالات الأفكار الهشة الخاطئة التي تنسج أمل مكذوب بعيد عن الأمل الحقيقي .

ابنِ صرحك الثابت يا صديقي وتشبث به، وافعل ما تستطيعه من إصلاح داخل نفسك وخارجها، فلعل شيئًا صغيرًا تفعله؛ يَكُن له أعظم الأثر في نفوس من حولك أو في أعوام بعدك لن تدركها في مُحيَّاك، ولا تستهِن أبدًا بأهيمتها ولا تستصغر قيمتها.

“أهون الأمور قد يكون لها أعظم الأثر – قيامًا أو سقوطًا – لأنك لا تدري على أي مقادير وضعتها لترفع أو لتهدم” – د. هبه رؤوف “لا يمكننا إجبار أحد على سماع شئ ما لا يقوى على استيعابه، ولكن ينبغي ألا نستهين بقوة زراعة البذور” – قائل مجهول

اقرأ أيضا:

اليأس خدعة والأمل حياة جديدة نعيشها

الأمل فوق رؤوسنا، فلتنتعش نفوسنا الظمأى بذلك

بعد أن اعتدنا الفساد، هل نفقد الأمل فى إنسانيتنا؟ 

هبة علي

محاضر بمركز بالعقل نبدأ وباحثة في علوم المنطق والفلسفة