مقالات

إن الماء لا يقتل وكذلك الحياة فلا تخف

يبدأ الإنسان في تعلمه السباحة في تعلم ما يُسمي بمهارة الطفو وهي بكل بساطة استسلام الجسد لذلك الوسط المختلف (الماء) لكونه في طبيعته يحتوي على ما يجعله يطفو سواء الهواء الذي بالرئتين أو كثافة جسمه.

بين رحلة الحياة وتعلم السباحة

وفي ذلك الأمر تشابه عجيب بين حالة الإنسان في حياته تلك (رحلة الحياة)؛ حيث لا يحيط بداخلها بكل شيء علمًا، ولكنه يحيط على المستوي الكلي بإتقان الخالق لتلك الحياة ومنظومته البديعة والحكيمة والعادلة والتي بدورها تجعله يستسلم لوتيرة المنظومة محسنًا الظن بخالقه سبحانه.

والاستسلام هنا ليس بالتوقف عن الحركة كما كان الأمر في المرحلة الاولى للسباحة فهي مجرد خطوة أولى لتسكين النفس وانفتاحها على عالم المعني لتستقي منه معارف تمكنها من التحرك في الاتجاه السليم وبالشكل السليم.

فكما كان المتعلم لمهارة السباحة يفعل بعد تعلمه الاستسلام للماء فيتيقن عدم هلاكه في ذلك الوسط الغريب الذي لا يسيطر هو على وضعه فيه في بدء الأمر، ثم يبدأ بعد تكيفه مع ذلك الوسط وبعد أن يكتسب عملية التسليم به مع سكينة ناتجة عن معرفة،

يبدأ بالسعي نحو خطوة كيف يتحرك في ذلك الوسط من موقعه إلى الأماكن المختلفة، كيف يوجه نفسه في الاتجاهات المختلفة، كيف يخرج كل ما به من قوة ولكن بحكمة حتي لا يستهلكها في حركات هوجائية عبثية، وهو بالمثل في الحياة يكون الأمر كذلك.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

في البدء كان التعرف

ففي البدء كانت عملية التعرف على طبيعة تلك الحياة (العالم) وما القوانين التي تديره ومن ثم معرفة ما القدرات الذاتية للإنسان وكيف تستغل وإلى أي شيء يسير؟! وكيف وفي أي اتجاه يكون؟! وان كان مسعاه السعادة فكيف يكون شكلها؟!

والأمر هنا لا يلغي كون الإنسان مخيرًا أبدًا ولكن داخل تلك المنظومة ليس المؤثر الوحيد، والكل مؤثر مثله؛ يُخضع داخل تلك المنظومة إلي قواعدها ومن تلك القواعد هي عدالة الخالق.

فالعقل كقيمة معنوية تَعُدّ إحدي تلك القوانين على الجانب المعنوي وغيرها من القيم والمبادئ الإنسانية. ولعلنا على الصعيد المادي نرصد قوانين العالم والتي تحتوي عليها علومنا التجريبية وترصدها حواسنا والتي كذلك تعد قوانين مكملة للقوانين المعنوية.

فحينما يعي الإنسان تلك القوانين على المستوي الكلي عليه أن يسلم بها ويبحث عن منهج ومعرفة سليمة تمنحه الطرق الصحيحة للتعامل في تلك الحياة والواجهة الحقيقية التي تكون فيها سعادته.

كالذي بعد أن تعلم التسليم لواقع المياه في المرحلة الأولي من السباحة؛ بدأ يتعلم كيف يتحرك وأي الأجزاء التي سيستخدمها من جسده فتذهب الحاجة المعرفية في الحياة إلي معرفة من هو وما تحتويه نفسه سواء بجانبه الروحي أو الجسدي وكيف يحافظ علي كليهما وكيف يحقق لكل منهما حاجاته دون إفراط أو تفريط حتي لا يحدث تغير في قوانين ذلك العالم فيعود عليه الضرر.

وعلى مستوي جسده يكفيه أن يعرف المعرفة البسيطة التي تجعله يستطيع العيش وأن يرجع للعالم فيها وإن كان أفضل له طبعًا أن يعلم بنفسه إن وجدت لديه القدرة على ذلك.

وعلى المستوي الروحي هو بحاجة إلي حكيم مرسل من قبل الخالق ليهديه سبل النجاة وطريقة التعامل الأمثل في ذلك العالم بصفته على علم من الخالق الأعلم، والذي يقدم بدوره للإنسان كفرد المعرفة السليمة بنفسه وبما يجب فعله معها ليضبطها وفق منهج إلهي سليم يستوجب عليه فعل أمور ويمنعه عن أخري، لتستقيم بذلك نفسه وترتقي،

وبالمجتمع كذلك حيث بتلك الضوابط تنتظم التعاملات بين الأفراد وتستقيم سواء برادع ذاتي أي ضبط الإنسان لنفسه وفق أوامر خالقه متقيًا إياه فيَكُف أذاه لنفسه وللناس ويجمح شهوته وغضبه ويوجههما وفق ما هو صائب لا وفق ما تهواه نفسه.

وكذلك وفق قوانين تردع الإنسان عن فعل الخطأ إن كان متجاوزا؛ فتحفظ للمجتمع أمنه وسلامته ومناخه المتهيء لارتقاء أفراده وتكاملهم وتحفظ لكل صاحب حق حقه، سواء كان الحق ماديًا أو معنويًا.

فيصير الإنسان بعد معرفته العقلية على المستوي الكلي بعدالة الإله وكمال منظومته مستندًا على نصه المرسل منتهجًا إياه في تهذيب نفسه وتوجيهها إلى الصواب وصرفها عما هو خطأ، متعلقًا بمن هو أعلم. يستند عليه في سيره ذلك حتى لا تغرقه الأمواج وتهلكه الصعاب.

اقرأ أيضاً:

معرفة النفس

العلاقة بين الفكر ورؤية النفس

طريق المعرفة والسعادة

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

محمد سيد

عضو بفريق بالعقل نبدأ أسيوط