مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالات

إنسان القبيلة .. العنصرية دمار العالم

انتشر مؤخراً فيديو سجله أحد ركاب طائرة لأحد الأشخاص وهو يقوم بنهر سيدة سوداء معاقة ويتلفظ بألفاظ منتهى العنصرية ويسب تلك المرأة لكي تقوم من على المقعد الملاصق له، ولم يهدأ إلا بعد أن قام طاقم الطائرة بنقل مقعد السيدة إلى مقعد آخر بالطائرة، ومن ثم اعترض بعض الركاب على هذا التصرف من طاقم الطائرة، لكن ما تم هو نقل السيدة إلى مقعد آخر بالطائرة، وما حدث في تلك الطائرة يحدث في أماكن كثيرة وفي دول تتشدق بالحرية والمساواة والإخاء.

فتلك العنصرية البغيضة التي تنتشر كالنار في الهشيم هي ما سببت حروباً كثيرة وأودت بأرواح كثيرة جداً؛ فالحرب العالمية الثانية قامت من نزعة شوفنية تمجد الجنس الآري الألماني وتعمل على تضخيم الذات الألمانية،  فما كان من هتلر إلا أن اجتاح الدول بحجة أن الجنس الألماني هو الجنس الأحق بقيادة العالم والأحق بخيرات العالم فهو الأقدر على إدارة تلك الثروات وهو المخول له بصك القوة بأن يجتاح الدول، وخلفت تلك الحرب -التي تعد أكثر الحروب كارثية على مر التاريخ- ما لا يقل عن 50 مليون قتيلاً وذلك بسبب نزعة عنصرية بغيضة ترغب في التوسع على حساب الآخرين.

والتفرقة العنصرية التي كانت تجتاح جنوب إفريقيا والتي تمجد الأبيض وتعمل على إذلال السود الذين هم أصحاب الأرض! وما لاقوه من إذلال يفوق الوصف. ولا ننسى الزعيم العظيم نلسون مانديلا الذي وقف كالطود الشامخ في وجه تلك العنصرية البغيضة وحارب واعتقل لأكثر من 20 عاماً وهو يناضل من أجل المساواة ومن أجل أن يحصل المظلومون على حقوقهم المشروعة حتى نال ما ناضل من أجله، وأيضاً نفس الشيء حدث في الولايات المتحدة الأمريكية من تفرقة بغيضة بين البيض والسود وناضل من أجلها مارتن لوثر كينج والذي كان يعتبر الزعيم غاندي مثله في الثورة بلا عنف، وحارب في سبيل قضيته حتى اغتيل في عام 1968م وهو يناضل من أجل مبادئه التي نذر روحه من أجلها.

فالعنصرية هي الأفكار والمُعتقدات والقناعات والتَّصرفات التي ترفع من قيمة مجموعة معينة أو فئة معينة على حساب الفئات الأخرى، بناءً على أمور مورّثة مرتبطة بقدرات الناس أو طباعهم أو عاداتهم، وتعتمد في بعض الأحيان على لون البشرة، أو الثقافة، أو مكان السّكن، أو العادات، أو اللغة، أو المعتقدات! كما أنّها يُمكن أن تعطي الحق للفئة التي تم رفع شأنها بالتحكّم بالفئات الأخرى في مصائرهم وكينونتهم وسلب حقوقهم وازدرائهم بدون حق أو سبب واضحٍ.

وللأسف الشديد تأخذ العنصرية منحىً خطيراً؛ فهي تعمل على النظر إلى العالم من منظور نحن وهم! فهي قبلية فكرية تنظر إلى  المجموعة التي تنتمي إليها على أنها هي الأصوب وهي التي تمتلك الحقيقة المطلقة وهي الأعلى شأناً، والصواب ما تحدده المجموعة والخطأ ما تتجنبه المجموعة؛ لذا يجب احترام قواعد المجموعة ومحاربة الآخر والنظر إلى من هم خارجها بنظرة متعالية فوقية، فمن يتبع القواعد صديقي ومن يخالفها عدوي وتلك كلمة قالها رئيس الولايات المتحده الأمريكية في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر وهو من هو، هو رئيس أقوى دولة والدولة التي تنادي بالحريات، فالعنصرية متجذرة في ركن خفي في النفس البشرية، من عفي منها فقد فاز، ومن ابتلي بها فهو خاسر لأنه يفقد حب الآخر، وتشوب نفسه الكراهية المريضة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

والفرد الذي ينخرط في عنصريته ينفذ ما تقوله جماعته بطاعة تامة دون إعمال لعقله ونضرب مثالاً على ذلك بالقائد النازي أدولف أيخمان وهو قائد بارز في الرايخ وكان من أكبر قادة الجستابو ووكل إليه مهمة تهجير اليهود من المناطق المحتلة من قبل الرايخ وبعد الحرب هرب إلى الأرجنتين متخفيا حتى قبض عليه عملاء الموساد وتم محاكمته في إسرائيل، وعند سؤاله لما كنت تفعل ما فعلته، قال بكل بساطه أنه كان ينفذ التعليمات؛ فالفرد العنصري هو فرد بأخلاق القبيلة، ما يقوله له قادته هو الصحيح ويجب أن ينفذ.

والمعاملة من منطق نحن وهم معاملة يشوبها الكثير والكثير من العنصرية والذلل، حتى أن الأمر قد يصل إلى التصنيف على أساس الفريق الرياضي ولا ننسى ما حدث بين دولتين عربيتين بسبب تشجيع كلا المنتخبين وقد وصل الأمر إلى الهجوم وكأن كلا الفريقين عدو للآخر.

ولا مناص من مجاهدة النفس للفكاك من أسر هذه النظرة البغيضة التي تتعامل على أساس نحن وهم، فكلنا من أصل واحد وتجمعنا الكثير من المشتركات، فيجب علينا أن ننظر إلى أننا نسكن كوكباً واحداً وتشملنا الإنسانية الرحبة، فيجب علينا أن نتعامل بتسامح مع الآخر ونتقبل الآخر ونحتوي خلافاتنا ونتحاور؛ فالحوار القائم على التسامح وعلى تقبل الآخر هو الأساس لحل كل تلك المشاكل وهو الحل الناجع لتجاوز العنصرية البغيضة التي تجتاح الدول وتجتاح الأشخاص وتحرق كل شيء، فأهلا بعالم تشمله الإنسانية الواحدة، أهلاً بعالم يملء النفوس بالتسامح والعقلانية، كلنا أخوة على تلك الأرض كلنا أخوة تشملنا مظلة الإنسانية.

اقرأ أيضاً:

كن مثل بلال – أزمة الفوضى الفكرية في عقول شبابنا.. كم بلال يعيش بيننا اليوم ؟

تنشئة الأجيال الجديدة وعملية التعليم – المعلم الفاضل يبني إنساناً للمجتمع

عندما نتآكل من الداخل.. ماذا يفعل بنا الاكتئاب ؟

محمد سليم

عضو بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالإسكندرية