إصداراتمقالات

إنسانيتنا المفقودة

في زمن فقدنا فيه معنى #الإنسانية، وتناسينا ذاتياتنا الفطرية التي خلقنا الله عليها، فأصبحت المادة هي المحدد الرئيسي لتحركاتنا ومُنطلقاتنا، وأضحى طغيانها واقعا ملموسا نتجرع مرارته، ونحيا تبعاته الصارخة.

ذلك الواقع المجتمعي الذي ساهم أفراده في إتعاس بعضهم البعض – بقصد أو عن دون قصد – فمن طبيب قد فقد معاني الرحمة والشفقة، ليُصبح سَعيه الدؤوب وراء أموال المرضى دافعه الرئيس، ومُحركه الأوحد، ومن مُعلِّم قد تناسى رسالته، وتخلى عن أمانته التي حملها طواعيةً في عنقه، بنشر العلم والوعى، وغرس المعاني السامية في نفوس طلابه وتلامذته وتحمل مسئولية تنشئة أجيال تسمو بالمجتمع وتحمل همّ تنميته وازدهاره، ومن إعلاميّ قد استفزته مشاعر حب الظهور والشهرة سعيا وراء المادة، فأصبح لا يهتم بأثر ما ينشره على المجتمع، من فساد أخلاقى وتربوي، ومادة إعلامية فقيرة ركيكة، تستهدف جذب المشاهد – ولو بالباطل – وتردي القيم والمثل، وصناعة قُدوات هدامة يتطلع إليها الشباب بنظرات الإعجاب والتشوف والحب والتقليد، بما يسفه من فكر العامة ويتدني باهتماماتهم وأحلامهم، ومن مهندس ومن موظف .. الخ، قد تخلوا جميعا عن إنسانيتهم، وسعوا نحو شهوات مادية، ألجمتهم فأصبحوا عبيدا لها، وحبستهم عن معانى السمو والرفعة، وخدعتهم بسعادة زائفة مؤقتة، يُذاقون مرارتها من حين لأخر، غير أن كبرهم وعنادهم قد منعهم اتباع الحق، وأصبح المجتمع مُعلِيا لقيم #المادة، ساعيا وراءها بكل ما أوتي من قوة، مطيعا لشهواته الحسية الحيوانية، غير مبالٍ بما سواها من قيم إنسانية وروحية حثت عليها الشرائع السماوية، وأرشد إليها أنبياء الله الكرام – عليهم السلام.

ومهما بان واتضح نتيجة طغيان الماده  على مدار التاريخ، والسقوط المتكرر لحضاراتٍ عدة قد اتخذت منه شرعةً ومنهاجا، في مختلف العصور والأزمان، إذ بالكثيرين من أبناء زماننا لم يلبثوا مستمسكين بماديات الدنيا، داعين غيرهم ببريقها وزيفها البيّن، متجاهلين ومتناسيين تجارب السابقين وانحدارهم واندثارهم.

إن تلك النظرة المادية للمقصد والهدف تهوي بالإنسان على المستوى الأخلاقي والفكري والثقافي والإنساني، حيث تغير من طريقة فكره لتجعله لا يأبه بقبيح الفعل في سبيل الكسب المادي والإشباع الحسي، تلك النظرة التي يزكّيها إعلامنا مع الأسف وترعاها دول عظمي وشركات دولية ورأس مالية عالمية تستهدف إبقاءنا في حالة الهوان والاستضعاف والحاجة، من خلال حملات مختلفة تُبرز أوجه السعادة الزائفة في أنماط متنوعة من استهلاك السلع والخدمات، فتراه يصوّر #السعادة في وجه رجل يرتدى الملابس الفاخرة ويركب السيارة الفارهة، وبجواره تلك المرأة الشقراء الجميلة، التي تحبه لما يمتلك ويقتني.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ولتتأمل كم السطحية والمظهرية في تلك الصورة من السعادة الزائفة المشوهة، ومدى تأصيل حب الظهور والتشوف لامتلاك تلك السلعة – أو غيرها – ليحظى الفرد بالحب والاحترام في نفوس متصورا أنه من الصعب تحققهما بسبب تواضع الحالة المادّية أو المظهر البسيط.

ومع تأصل تلك النظرة المادية للسعادة، ومع اتساع صور الإعلام الإلكتروني أصبح التنافس وحب الظهور والافتخار بما ليس في أيدي معظم الناس من مقتنيات مادية وعصرية – أصبح كل ذلك مما عمّت به البلوى وشاع بين أفراد المجتمع، مما رسّخ لتلك النظرة وساعد على تهميش أي صور أخرى أولى بالرعاية والنشر والتحفيز، من حبٍ للتنافس في الخير أو من متعة لعطاء وسد حاجة لفقير معدم، أو نشر علم تستنيرُ به عقول قد أظلمت، أو حتى الرحمة في نصيحة طفل حديث عهد بالدنيا، قد يتذكرها وقائلها طوال حياته، فيدعو له بأن يثيبه الله عليها ويجزيه خير الجزاء.

فليس العيب في المادة بحد ذاتها، فلا غنى للإنسان عن المادة – من مأكل أو مشرب أو ملبس – والاستفادة منها، فبها قِوام حياته، وإنما أعني تعلق القلب بتلك المادة على حساب المعاني الروحية السامية، وطغيانها على الأخلاق النبيلة والمشاعر الطيبة الدافئة والأهداف العامة الراقية، التي تسمو بالإنسان وتدفعه لصفات الكمال من العطاء والبذل والتعاون والرحمة وحب الخير للبشر والصبر على أذاهم .. إلخ ، تلك الصفات التي تنمو بها المجتمعات وتزدهر، وتبلغ بها الحضارات أوج مجدها وتقدمها، بإعلاء شأن الروح على الجسد، ووضع المادة في موضعها الطبيعي لتصبح في يد الإنسان يستخدمها، لا في قلبه فتستعبده.

#بالعقل_نبدأ

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أحمد عبد الدايم

محاسب

باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالاسكندرية

مقالات ذات صلة