إلف العادة (إحنا مش هنخلص بقى؟)
نحن البشر تمیَّزنا عن باقى الكائنات بالعقل الذى من خلاله نقوم بالتفكیر والتحلیل والاستنتاج وحریة الاختیار أثناء تأملنا فيما يحدث حولنا ولكن ماهو التفكیر؟ وما علاقته بحياتنا الیومیة وعاداتنا؟
العلاقة بين عملية التفكير وتفسيرنا للواقع
التفكیر هو حركة الذهن فى المعلومات المتاحة مسبقًا والجمع والترتیب بینها بالطریقة المناسبة بعد ملائمتها لطبیعة المجهول المراد معرفته فتؤدى بنا إلى النتیجة المرجوة وكشف واكتساب ما لم نكن نعلمه وهذا ما یحدث معنا یومیًا، لكن بغض النظر عن اختیار المعلومات المناسبة والجمع والترتیب بینها بالطریقة الصحیحة ومراعاة القیم الاخلاقیة فى هدفنا من ذلك والتى تقوم على أساس مثل العدل والحق والرحمة ورضا الخالق، بعد أن نكتسب تلك المعرفة الجدیدة؛ نرى مدى مطابقتها للواقع وماذا یحدث عند تطبیقه؟! هل الصلاح أم الفساد؟! هل النفع أم الضرر لنا أو لمن حولنا؟!
وذلك راجع إلى رؤیتنا وتفسیرنا للواقع فیما هو كائن، بعد ذلك نأخذ القرار والعزم على التنفیذ ونكون بذلك كوَّنا رؤیة لما ینبغى أن یكون ویطبق فى واقعنا وتدفعنا الإرادة والاحتیاج إلى التنفیذ فى واقعنا مع أنفسنا ومع من حولنا، ثم نكرر ذلك مرة تلو الأخرى إلى أن یصبح عادة ثم نكتسب الأخرى تلو الأخرى حتى یتشكل مصیرنا، لكن هلا وقفنا لنتأمل ذلك ؟
اعتياد النعم
هذه العادات والموجودات التى لم أعد أشعر بقیمة وجودها لأنها أصبحت جزء من حیاتى وأیامى التى تتكرر كل لیل ونهار ولم ألحظ، إن معاني الفضول والشوق والرغبة واللذة قد اختفت مقارنة مع وقت الاحتیاج إلیها وتحصیلها والاستمتاع بها فى بدایة الأمر، فكم من عادة ونشاط ومعاملات وعلاقات وأنظمة كونیة وعلامات تُحیط بنا ولا نلتفت إلیها لنجدد شعورنا وإدراكنا أنها موجودة وذات قیمة وماذا یحدث إن تغیرت أو اختفت أو لم تكن موجودة أصلا؟!
بقلیل من التأمل نجد أن معظمنا یتمتع بصحة جیدة وله أسرة وعمل وأصدقاء وعنده حیاة زاخرة، ولكن یتجاهل كل ذلك ویغفل عن التفكر فیه ، فكم من مرة تأملنا الحال بین الصحة والمرض؟! وكم من مرة تأملنا الانشغال عن عائلتنا فى ما لا ینفع ولا یضر وقد یضر بعد ذلك؟!
وكم من مرة تأملنا التبذیر فى أوقاتنا بلا رحمة؛ فى مقابل أن تنتبه لإصلاح وتربیة نفسك وغیرك؟! كم من مرة تأملنا تجاوزنا الحدود مع أنفسنا ومع غیرنا؟! كم من مرة تأملنا تقصیرنا في حق العلم والإیمان والعمل لخالقنا وهو من وَهبنا كل ذلك؟! ولكن لماذا وكیف؟! هذا یحتاج للتأمل أیضًا.
الوباء يوقظ عقولنا
لم نصل لذلك الوضع إلا لأننا غیَّبنا العقول وأحضرنا الشهوات؛ فأصبح الانشغال بالمصالح الفردیة فقط، وكیف نستغل كل طاقتنا ومواردنا لتلبیة مطالب شهواتنا ظانین أنه حق مكتسب بدون مقابل وبدون مراعاة وجود غیرنا وبدون مراعاة حق نفسك على نفسك بعیدًا عن أى قیمة أو غایة عادلة حقة.
ولأجل ذلك، ولأن الكون له سنن محكمة دقیقة عادلة صادرة عن خالق علیم وخبیر، تتداول الأیام، ویُكرر التاریخ نفسه ویأتى وباء مثل فیروس “كورونا المستجد” لیوقظنا من غفلتنا ویُنبهنا بأن حیاتنا لها قیمة وغایة. وكم أهملنا حق ذلك لنا وعلى غیرنا!
یأتى الوباء لیُنبهنا بأن لنا عقل یُفكر ویتأمل، ولا بد له من التمكین لیقود زمام الشهوة والغضب وهما ما یتسببان فى الفساد والظلم إذا تولوا رأس الأمر، ولیظهر مدى ضعفنا وعجزنا المادى ومدى ظلم وقبح الأنظمة المادیة وسطوتها وتهاونها بجانب الإنسان الروحى والمعنوى وحیاته وقیمة وغایة وجوده .
فلنحرر نفوسنا من المادة
ما لنا إلا أن نوقظ عقولنا ونراعى قوانین استخدامها الصحیحة، ونتجرد من سیطرة المادة على نفوسنا وحیاتنا، ونتبنى ونلجأ إلى كل طریق نلتمس فیه الحق والعدل والخیر والجمال للخلاص من تلك المعاناة والتعافى منها.
الأمر الأولىّ لابد وأن یكون أنفسنا وصلاحها ولیس الاهتمام بفیروس “كورونا المستجد” وتطوراته وجلائه إلا الضرورى الذى نحفظ به أنفسنا، ونترك ذلك لأصحابه والمتخصصین فیه، فلیكن فیروس كورونا مبادرة لإعادة النظر فى واقعنا وفى داخل وعمق أنفسنا لتمحیصها وإلا سیكون هذا الوباء مثل أى شئ نتعود علیه إلى أن نصل إلى مستوى عدم الشعور بوجوده وهو مستمر بالفتك بنا دون جدوى منا.