إصابة لإريكسن … منحة من قلب المحنة ودروس مجانية
عزيزي القارئ … تعرض متابعو كرة القدم على مستوى العالم إلى صدمة بالغة، بعد أن شاهدوا في بث مباشر واقعة مروعة للاعب منتخب الدنمارك إريكسن ، ففي لحظة توقف فيها الزمن، حين ارتطم جسد اللاعب بأرضية الملعب في ذهول الجميع، ثم تصبح الواقعة “واقعة المحنة المانحة”
كانت أزمة اللاعب إريكسن في افتتاح مباريات منتخب الدنمارك في منافسات اليورو 2020 اختبارًا صعبًا للحاضرين في ملعب المباراة، من لاعبين وأطقم طبية ومنظمين وحتى الجمهور، الذين انتظروا جميعا خبرًا غير وفاة الدنماركي المحترف ضمن صفوف فريق الإنتر الإيطالي.
ولدت من المحنة منحة ودروس مجانية للجميع، على مستويات عديدة سواء الطبي والمهني والإنساني، في مشهد لم تتعدّ دقائقه ال 40 دقيقة، ستظل أحداثه ونتائجه مسطورة في ذاكرة تاريخ البشرية وكرة القدم على وجه التحديد.
عدداً من الأبطال أبرزتهم الواقعة
سيمون كيير
عزيزي القارئ… أعلم أنك قرأت الكثير عن هذه الواقعة، وكيف كانت وإلى أين آلت ووصلت، ولكن الواقعة أبرزت عددًا من الأبطال، وعلى رأسهم سيمون كيير قائد منتخب الدنمارك، الذي توجه بشخصية القائد إلى إريكسن بمجرد سقوطه، حيث عمل على تعديل وضعيته لمنعه من ابتلاع لسانه في لحظات إغمائه، والذي لم يكتف بهذا، بل منح قلب زميله الملقى على الأرض إنعاشا سريعا قبل وصول الجهاز الطبي بأرضية الملعب، الأمر الذي يدل على الثقافة الصحية ودور الإسعافات الأولية في إنقاذ روح بشرية.
الساتر البشري
الخصوصية التي فرضها لاعبو منتخب الدنمارك في مشهد آخر ينم عن خلق كيير، أمر كابتن منتخب الدنمارك اللاعبين بعمل ساتر بشري حول إريكسن عندما كان يتلقى الإنعاش القلبي على الأرض؛ لمنع تصويره أو التقاط أي صور له وهو في ذلك الوضع، بالمثل لم يحاول حتى المخرج التلفزيوني إعادة لقطة سقوط اللاعب، حتى يتجنب تخليد الأذى النفسي للمشاهدين وأسرة اللاعب الملقى على أرضية ملعب المباراة.
الشفافية
الشفافية في التعامل مع الأزمة، وضحت في إصدار بيانات متتالية من قبل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “يويفا” لطمئنة الحاضرين ومتابعي البطولة عبر الشاشات على صحة اللاعب والموقف الحالي للمباراة، ومنعًا للغلط والقيل والقال؛ إذ حرص القائمون على البطولة، على سرد البيانات وتعليق المباراة لحين الاطمئنان على حالة اللاعب، وعدم ترك الأمر للاجتهادات الصحفية؛ ليمنع ذكاء التعامل مع الأزمة كثيرًا من الأضرار النفسية بين الحضور.
دروس آخرى في التعامل مع الأزمة
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد عزيزي القارئ، فهناك دروس أخرى في التعامل، فاستكمال المباراة بعد مرور وقت كبير على توقفها، كان متروكًا للفريق الدنماركي، والذي لاقى تحية كبيرة من نظيره الفنلندي لإصرارهم على العودة وإمتاع الجماهير الحاضرة، والذي يوضح العقلية المدركة للواقع وتقدير الجماهير والمتابعين خلف الشاشات.
فن الاحترام والاحتفال الذي وُجّه من جميع اللاعبين بعد تسجيل الهدف في شباك الدنمارك، والذي اتسم بالهدوء، ولم يقتصر على ملعب المباراة، ولكن في مباريات أخرى، إذ أظهر لوكاكو مهاجم بلجيكا دعمه لزميله إريكسن في نادي إنتر ميلانو الإيطالي، حينما توجه لإحدى الكاميرات عقب تسجيله لهدف قائلا “أحبك” يا إريكسن يدل على الترابط أيضا.
عزيزي القارئ… أخيرا في هذا المقال أود أن أقول أن كرة القدم لها وجوه عديدة منها الحلو والمر، والدعم المتواصل والارتقاء العقلي فوق المصلحة الشخصية، كل هذه الدروس ظهرت من قلب المحنة التي تحولت لمنحة مجانية يتعلم منها الجميع بأن الرياضة أخلاق.
ونلتقي من جديد في مقال جديد من ملعب مختلف.
اقرأ أيضاً:
الأخلاق في الملاعب الفرنسية والتركية
الخدمة الاجتماعية الطبية وإدراة الأزمات
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.