مقالات

ماذا تقول لربك غدًا؟!

من أنت أيها المسلم؟ ماذا تريد؟ وإلى أين تمضي؟ لِم تقول ما لا تفعل؟ وبأية قناعةٍ تفعل؟ كيف تجمع بين دينٍ قيَّمٍ أتمه الله لك، وأفعالٍ تنهش في دعائم هذا الدين كل لحظة؟ ماذا تقول لربك غدًا إذا أتيته؟!

مواقف عمر بن الخطاب في خلافته

ذات يوم أتى رجل إلى الخليفة عمر بن الخطاب (رضى الله عنه)، فقال: “يا أمير المؤمنين انطلق معي فأعدني على فلانٍ فقد ظلمني”.

فرفع عمر دُرته وخفق بها رأس الرجل قائلًا: “تدعون أمير المؤمنين وهو مُعرضٌ لكم مُقبلٌ عليكم، حتى إذا شُغل بأمرٍ من أمور المسلمين أتيتموه أعدني.. أعدني!”.

فانصرف الرجل غضبان أسفًا، فقال عمر: “عليَّ بالرجل”، فلما عاد ناوله مخفقته وقال له: “خذ واقتصَّ لنفسك مني”، قال الرجل: “لا والله، ولكني أدعها لله”، وانصرف.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

عاد عمر إلى بيته وصلى ركعتين ثم جلس يحاسب نفسه ويقول: “إيه يا ابن الخطاب، كنت وضيعًا فرفعك الله، وكنت ضالًا فهداك الله، وكنت ذليلًا فأعزك الله، ثم حملك على رقاب الناس فجاءك رجلٌ يستعديك فضربته، فماذا تقول لربك غدًا إذا أتيته؟ ماذا تقول؟!”، هكذا يحاسب أمير المؤمنين نفسه.

أخلاق المسلم في التعامل مع الآخرين

اليوم، أي مسلم عندما تجلس معه، وتناقشه في قضيةٍ ما، تراه يقدم لك صورةً رائعة، تكاد تكون صورة مثالية للمواطن الصالح الذي يتمسك بأعلى درجات الفضيلة.

بل تراه مُصليًا، صائمًا، حاجًا، مستشهدًا بآيات القرآن وأحاديث رسول الله (صلوات ربي وسلامه عليه)، لكنه ما إن يخرج إلى الحياة الواقعية، حتى تجده إنسانًا آخر، يخالف سلوكُه معتقدَه بصورة فجة!

يأمره الإسلام بالطهارة والنظافة، فإذا به يتوضأ ليصلي ثم يخرج لينثر قاذورات بيته في الشوارع وأمام بيوت المسلمين، ينهاه الإسلام عن الكذب والغيبة ونقض العهود والمواعيد، فتجده متقنًا للكذب، غارقًا في الغيبة والنميمة، ناقضًا للعهد ومُخلفًا للوعد.

يأمره الإسلام بالعدل وينهاه عن السرقة والرشوة، فإذا به يمارسهما قانعًا وراضيًا بمسميات ما أنزل الله بها من سلطان، يأمره الإسلام بالتواضع وصلة الأرحام، فتجده متعاليًا في خواءٍ بعلمٍ زائف ومالٍ زائل، قاطعًا لذويه بتبريرات واهية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ينهاه الإسلام عن التزلف وتقديس البشر، فتراه بارعًا في عملقة الأقزام ونصب الأصنام، يأمره الإسلام بحُسن الخُلق وإتقان العمل، فتجده في الشوارع والأسواق والمصالح شتَّامًا نهَّابًا مخادعًا مُسوفًا في عمله!

رسالة الإسلام الخالدة لإصلاح البشرية

اشهر علماء العصر العباسي 1 - ماذا تقول لربك غدًا؟!الغريب أنه في معية ذلك كله يصلي ويسأل الله السداد والتوفيق والستر والنصر! يقول الشيخ محمد الغزالي (رحمه الله): “إن وجهي ليسوَّد حين أرى العمل يخرج من يد الكافر مُجودًا متقنًا ويخرج من يد المسلم هزيلًا مشوهًا!”.

أين الخلل إذن؟ لقد بكى عمر حين سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم) يتلو الآية الكريمة: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا” (المائدة: 3)، إذ أدرك أن الوحي قد انتهى، وأن الرسول قد قَرُب أجله.

أدرك كذلك أن الرسول (صلوات الله وسلامه عليه) قد أدى رسالته كاملة، وأن الإسلام قد أصبح دينًا كَمُلت آياته وصار نعمة مهداة، وتنفيذه في أيدي المسلمين القائمين بعبء الحياة، وتحقيقه على كاهل الأمة الإسلامية التي ورثت هذه التركة وتلك الرسالة.

لماذا تدهورت الحضارة العربية الإسلامية؟

الحق أن هذه اللمحة العُمَرية لَتحمل في طياتها إجابة جزئية عن السؤال الخاص بأسباب تدهور الحضارة العربية الإسلامية، وتخلف المسلمين عن اللحاق بركب التقدم الحضاري رغم بقاء الإسلام بينهم بذات منهجه وأحكامه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فحوى هذه الإجابة –على حد تعبير فؤاد محمد فخر الدين في كتابه “مستقبل المسلمين”، 1976– أن ثمة تفرقة ضرورية بين الإسلام من جهة، والمسلمين من جهة أخرى

الإسلام هو ذلك الدين القيَّم الذي اختُتمت به رسالات السماء، أما المسلمين فهم أولئك الذين اعتنقوا الإسلام دينًا بكل أبعاده الإيمانية والتطبيقية.

اقرأ أيضاً: الكندي فيلسوف العرب والمسلمين

تعرف على: معجزة القرآن

اقرأ أيضاً: الأخلاق أم المصالح؟ وماذا تفعل لو كنت مكان الأستاذ عماد؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

دين الإسلام له قواعد وتعاليم

وكما أن نية الإيمان قد تصدق وقد لا تصدق، فكذلك التطبيق قد ينجح وقد يفشل، وبقدر ما تتأرجح درجة الإيمان بين الكمال والنقص، تتأرجح درجة التطبيق بين الصواب والخطأ.

بعبارة أخرى، الإسلام دينٌ له قواعد وأسس وتعاليم أولية ثابتة، يحرّكها الفهم والعقل، ويحييها العلم والفحص والبحث، وينعشها الإنسان بنوعيته وسلامة صفاته، فهي في حاجة إلى تحقيقها في الوجود وتنفيذها في الحياة، ولا بد أن تتواجد مع الفرد والجماعة والأمة كي تُفرز نتائجها وتفصح عن معانيها.

أما المسلمون –وكثيرٌ منهم لا يتعدى بإسلامه دائرة الاسم أو الوراثة الشكلية فقط– فهم أناسٌ يحملون الهوية الإسلامية، وهم–بشرًا– قابلون للتغير والتغيير، للاتفاق والاختلاف، للصعود والهبوط.

الهوية الإسلامية والتحديات التي تواجهها

mosquee islam - ماذا تقول لربك غدًا؟!

لئن تجاوزنا إذن وقلنا إن ثمة علاقة هوية بين الإسلام والمسلمين، فقد ربطنا عن جهالة بين الإسلام وبين ما يفعله المسلمون في كل زمان ومكان.

تلك هي نظرة بعض مفكري الغرب، الذين إذا ما رأوا المسلمين ضعفاء خاضعين كسالى جاهلين، يقولون إن هذا هو الإسلام يحمل في طياته هذه الصفات، ويؤدي إلى المهانة والمذلة.

ما نود قوله بتفرقتنا بين مفهوم الإسلام ومفهوم المسلمين، أنه إذا كانت ثمة أسباب لتدهور الحضارة العربية الإسلامية، ولصورة التخلف المشينة التي يبدو عليها المسلمون اليوم، فإن مرد هذه الأسباب ليس إلى دين الإسلام، وإنما إلى التطبيقات الخاطئة لتعاليمه.

أو بالأحرى لامتناع التطبيق وتزييفه، وإلا ما تمكن الرسول (صلى الله عليه وسلَّم) وصحابته، ومن هم أقرب إليهم روحًا وعقلًا وزمانًا، من إقامة صرح الحضارة الإسلامية العملاق.

إسلام بلا مسلمين

ربما اتضح هذا المعنى من قصة يرويها الدكتور زكي نجيب محمود (1905– 1993) في كتابه “تجديد الفكر العربي”، إذ كتب يقول:

“لقد حدث أن ورد ذكر الإسلام –بتعميم مجرد من تفصيلاته– ذات يوم حين كنت في مجموعة من أساتذة الجامعات بالولايات المتحدة الأمريكية، وأحسست في الوجوه شيئًا من الرفض الصامت.

سرعان ما تهيأ الظرف ليُطلب إليّ أن أذكر شيئًا من التفصيلات التي تحدد الأركان العامة لهذه العقيدة، وفعلتُ، فقال قائل منهم: إنه لو كان هذا هو الإسلام، أفنكون إذن مسلمين ونحن لا ندري؟

تذكرت عندئذ ما قد لاحظه أحد أعلامنا –وربما كان هو الإمام محمد عبده (1849– 1905)– من أنك قد تجد في بعض البلاد الأوروبية مسلمين بغير إسلام، كما قد تجد في بعض البلاد العربية إسلامًا بغير مسلمين.

خطأ التمييز بين الإسلام والمسلمين

أي أن الإسلام مجموعة من القيم التي لا أحسب عاقلًا على وجه الأرض يرفض شيئًا منها من حيث هي مثلٌ عليا.

ربما وجدت بين من يرفضون الإسلام كفكرة مجردة من يعيشون تلك المُثل بالفعل، ووجدت بين من يعتنقون هذا الإسلام نفسه كفكرة مجردة، من لا يعيشون من قيمه شيئًا”.

لا ينبغي إذن أن نحمل الخطأ على الإسلام وأبناؤه بعيدون عنه، ولا يُلام الإسلام ومعتنقوه غير مخلصين له أو خارجون عليه، ولا يُنتقد الإسلام وأحكامه مُعطلة.

إنما يُحمل الخطأ على المسلم، الذي يعرف أنه مسلم، لكنه لا يعرف الإسلام ومطالبه، فبينه وبين الإسلام مسافة معرفته وجود الإسلام في نفسه!

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. صلاح عثمان

أستاذ المنطق وفلسفة العلم – رئيس قسم الفلسفة – كلية الآداب – جامعة المنوفية

مقالات ذات صلة