مقالات

جيران السوء

السلام وراحة البال من الأمور المهمة لإكمال مسيرة الحياة للإنسان، فالإنسان بطبعه يميل إلى العيش في هدوء دون كدر أو تنغيص، وأما غير ذلك فإنه يصاب بالأمراض والأوجاع التي ربما لا يعرف لها سببًا.

والأديان السماوية حثت على السلام والبعد عن الحروب والتشريد وتأبى إيذاء الآخرين أو التسبب في مشكلات نفسية أو إعاقات جسدية، والسلام داخلي وخارجي، فالداخلي بأن يكون المرء متوازنًا روحيًا وعقليًا فلا يحمل صفات شاذة غير إنسانية فيتوتر ويتغير ومن ثم تخرج منه تصرفات غريبة ومريبة.

كيف يكون التعامل مع الجيران؟

وقد حثنا الإسلام على معاملة الجيران معاملة طيبة وعدم مضايقتهم أو التسبب في تعكير صفوهم وقلة راحتهم فما زال جبريل (عليه السلام) يوصي نبي الإسلام (ص) بالجار حتى ظن أنه يأمر عن الله بتوريث الجار من جاره، بل ونفى أيضًا كمال الإيمان ثلاثًا للذي لا يأمن جاره شروره ومساوئه وظلمه، يعني جاره يتخوف أو يتوقع منه أن يوصل إليه شرًا.

فالعيش في سلام مع النفس والوالدين والجار والأصدقاء والناس جميعًا، فلا يخرج من الشخص إلا كل خير من قول أو فعل، ولا يرون منه إلا كل جميل، في البيت والمدرسة والشارع والدكان والمواصلات والعمل، إلخ.

إنّ جارك أقرب الناس إليك، أقرب إليك من أبيك وأمك، ومن أخيك وأختك، وأقرب إليك من العالم بأسره، فلا تكشف سِرّه، ولا تتجسّس عليه، ولا تنتهك حرماته، ولا تتكلم عنه بسوء، ولا تظلمه أو تخذله واجعله يأمن جانبك.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إسرائيل جار السوء

والسؤال الذي يطرح نفسه: أليست إسرائيل مغتصبة ومحتلة؟ سطت ووضعت يدها على أراضي دولة فلسطين؟ إذًا فلماذا يرفضون العيش بسلام مع جيرانهم أصحاب الأرض والحق؟ أليس من الطبيعي أن يلاينوا ويداهنوا حتى يعيشوا هم في أمن وأمان وسلم وسلام؟! فالمحتل في أمس الحاجة للسلام قبل فلسطين.

وأرى أنّ هذا حقد دفين يجري فيهم مجرى الدم، وبعيدًا عن أنهم خونة ومرتزقة وتائهون وقتلة الأنبياء، إلا أنّ هناك أسبابًا أخرى تدفعهم لسوء الجوار وسوء الأدب وقتل كل ما هو جميل.

فتراهم يركّزون على قتل العقول النابهة واغتيال العلماء والمبدعين والناشطين والبارزين في مجالات مختلفة والحفّاظ ورجال الدين، إنه شعور بالنقص، ظهر هذا جليًا في الضفة الغربية، وبدا أوضح في قطاع غزة، فيركزون على إخراج القطاع الصحي والتعليمي عن الخدمة وحرمان الطلاب من الامتحانات، وإفساد البنية التحتية، وتسوية ما هو شاهق كله.

وعندما نستمع لطفل صغير من أطفال فلسطين، وهو يتكلم من الذاكرة دون إعداد مسبق فحديثه فصيح مفهوم، فهم على مستوى عالٍ من الثقافة والتجارب الحيّة، ومع هذا الضغط كله لا ينقطع تحفيظ القرآن ومراجعته وتشريبهم دروس التاريخ عمليًا في ميدان القصف والتهجير.

الجار قبل الدار

والإنسانية التي نتكلم عنها شعور واحد في أنحاء العالم جميعها، لا فرق فيها بين غني وفقير أو صحيح وسقيم أو آمن وخائف، فمقياسها واحد على الكل ولا تعرف المهادنة أو التجزئة، فالإنسان الصالح جيد في الأديان السماوية والشرائع والأعراف الأرضية جميعها.

وقد حثت الثقافة الصينية على حسن الجوار وطيب المعشر ووفاء الصُحبة، ومن هنا فقد أوردتُ في كتابي “شرح المختار من كتاب الحوار لكونفوشيوس”، قوله: “نِعم الحي ذوي المروءة، كيف يكون عاقلًا مَن لا يؤثر مجاورة ذوي المروءة”، ويقول المثل: “اختر الجار قبل الدار”.

فنعم الحي والمنطقة تلك التي يسكن فيها أصحاب المروءة، ومن أسمى الجيرة وأطيبها هي مجاورة الوالدين والتزامهما والعمل على راحتهما، فلا يقترف المرء إثمًا أو أمرًا يكون سببًا في تعبهما حتى ولو بكلمة “أف”، وهي أقل كلمة تتسبّب في ضيقهما.

إنّ الأجيال القادمة في فلسطين قد أعدتها إسرائيل جيدًا دون وعي أو إدراك من الضغوط والدمار، فلا طاقة للمحتل بهذه الأجيال التي نشأت بين الأنقاض والدماء والأشلاء وموت الأقارب والأصدقاء.

مقالات ذات صلة:

ماذا بعد نهاية الكيان؟

حكايات عن معاناة أهلنا في غزة

قضية اللاجئين الفلسطينيين

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر